الحديث الأول
  قوله #: وَكَأَنَّ الَّذِي نُشيِّعُ مِنَ الْأَمْواتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ.
  التشييع في أصل اللغة هو الاتباع، ومنه سميت الشيعة شيعة لاتباعهم علي بن أبي طالب #، وتشييع الجنائز من ذلك، وهو المسير خلفها، ولذلك كان عندنا أولى من المسير أمامها لكونها مشيَّعَة، والمشيَّعُ مَتْبوعٌ، وهو الذي رويناه عن أمير المؤمنين #، والسفْر جمع سافِر، والتجْر جمع تاجر، وهو ظاهر في كلامهم، وهو الذي يقطع المسافة، وأكثر ما يستعمل ذلك في باب التجارة والأرباح، وإن كان المراد به في الأصل قطع المسافة لأي ما غرضٍ من الأغراض، يقال سافرٌ وسَفْرٌ وتاجرٌ وتَجْرٌ، وسُمي سافرًا لِسَفْرِه وجهَ الأرض، وهو تنقيتها للسلوك من الموانع من المشي، ومنه سُميت الْمِسْفَرَة وهي الْمِكْنَسَة، وأقل ما يسمى بقطعه الإنسان من المسافات سافراً ومسافراً هو البريد فما فوقه في عرف الشريعة عندنا، وقلنا ذلك لما روينا عن النبي ÷ أنه قال: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِر بَرِيداً إلَّا مَعَ ذِي رَحِمٍ» فجعل أقلَّ السفر بريداً، لولا ذلك لما كان للحديث فائدة، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف ذراع، مجموع ذلك ستة وثلاثون ألف ذراع(١)، وذكر بعض أهل المعرفة في المساحة والمسالك أنَّ الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، فجزيرة العرب منها ألف فرسخ، وجزيرة الفرس ثلاثة آلاف، وجزيرة الروم ثمانية آلاف، ولأولاد حام منها اثنا عشر ألف فرسخ، والله أعلم بحقيقة ذلك، فأما جزيرة العرب فلا يبعد عندنا ما قيل فيها.
  والراجع والآيب والآيض في نظائر لها هو العائد إلى جهته التي فارقها أوّلاً، وسُمي السحاب رَجْعاً من ذلك لأنه يعود إلى جهته المعهودة بين السماء والأرض بعد فراقها بقدرة الله سبحانه.
  وَمَعْنَى ذَلكَ: أنه ÷ لما رأى قلة فزعنا لتشييع الموتى وإخطار ما لا بدَّ من نزوله بالبال والتأهب لمثل ذلك المآل كنَّا معهم - والحال هذه - كالذي يشيع المسافر الذي يرجو
(١) ذكر الإمام أن الميل يساوي ٣٠٠٠ ذراع، وبالمعيار العالمي فالميل يساوي ١٦٠٩,٣٤ متراً. فينتج أن الذراع = ٥٣,٦٤ سنتيمتراً، والبريد = ٣٦٠٠٠ ذراع.
فيكون البريد بالمتر= ٣٦٠٠٠ × ٥٣,٦٤ = ١٩,٣١٢ متراً، أي (١٩) كيلومتر و (٣١٢) متراً.