حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مسألة الرزق والتفضل، وتعلقهما بالصلاح والفجور في الدنيا والآخرة]

صفحة 362 - الجزء 1

  لنفسه ليدفع عنها المضار ويجلب إليها المنافع وإنما إذا كان نظره لنفسه على وجه صحيح أدَّاه نظره إلى أعمال الآخرة، وإيثار رضا الرب، وتحمل المشاق الفانية لتحصيل النعم الباقية.

  ومهَّدَ لرمسه بأن يُوَطِّئَ بالحسنات محط جنبه، فلا يوقع جنبه إلا على طاعة الله سبحانه، قد طحرَتْ⁣(⁣١) عنه قذى العقوبة، وبسط له أوراق الرحمة، وذلك لا يصح له إلا ما دام رسنه مرخى، شبهه # بالفَرَس التي يُطوَّل لها رسنها معناه يُرخى فتردد يميناً وشمالاً وخلفاً وأماماً وتتمكن من التصرف، وكذلك حالنا مع بقاء التكليف.

  ثم انتقل من هذا المثال والاستعارة العجيبة إلى أوسع وأجلى فقال: وَحَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ مُلْقَى، وهكذا في البعير إذا طابت نفس مولاه من نِفاره، أو كان قادراً على رده فإنه يطرح حبله - أي خطامه - على غاربه، ثم يَدَعُهُ يرعى أينما أراد، فإذا دعته إليه الحاجة أتى إليه فتناول خطامه وقاده إلى أين ما أحب ويمنعه مما يكره، وهذا في التكليف أعم، وبه أشبه، لأنَّ المكلف مع بقاء التكليف موكولٌ إلى اختياره في الخير والشر، غير ممنوع بالجبر والقهر من واحد من الأمرين: إنْ أتى فغير مقهور، وإنِ اجتنب فغير مجبور، إنما هو أمرٌ ونهيٌ، وترغيب وترهيب، وتكريه وتحبيب، فمن اختار الهلاك على النجاة، والعذاب على المغفرة؛ فما أصبره على النار.

  فأما إذا نفد الأجل انقطع العمل؛ لأنه يخرج بالموت عن حيِّز التكليف، فيُنْشَطُ⁣(⁣٢) الرسَن ويُقبض الحبل، ويُقاد إلى الخير إن كان صالحاً قَوْداً رفيقاً شفيقاً، ويُعْتَلُ⁣(⁣٣) إلى الشر - الذي هو العذاب والخزيُ - عتْلاً عنيفاً شديداً. جعلنا الله وإياكم ممن فِكْره فَهْمٌ وسعيه حَزْمٌ، والصلاة على محمد وآله.


(١) طَحَرَتْهُ: دَفَعَتْهُ، وأكثر ما يستعمل في دَفْعِ العينِ للقذى، من حاشية نقلت مما نقل من خطه #، تمت، هامش (أ) (انظر القاموس ٤٣٠).

(٢) أَيْ يُعْقَدُ، والأُنْشُوطةُ: عُقْدَةٌ يَسْهُل انْحِلَالُهَا مِثْلُ عُقْدَةِ التِّكَّةِ .... وَقَدْ نشَط الأُنْشُوطةَ يَنْشُطُها نَشْطاً ونشَّطها: عقَدها وشدَّها، وأَنْشَطها حلَّها. (لسان العرب: ٧/ ٤١٤).

(٣) العَتْلُ: الجذْبُ الشديد مع الاستخفاف، قاله #، تمت، هامش (أ). وقال في القاموس: عَتَلَهُ يَعْتِلُه ويَعْتُلُه فانْعَتَلَ: جَرَّهُ عَنيفاً فَحَمَلَهُ. (القاموس المحيط: ١٠٢٩).