حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام في مسألة التبني]

صفحة 378 - الجزء 1

  وخدعت أغْمَارَها⁣(⁣١)، وقالت: أنتم ولدي، فلحبي إياكم قربتكم من كبدي، وجعلت مهادكم كرشي، وضننت بكم من أسمال⁣(⁣٢) فُرُشي، فقَبِل عذرها مَنْ فتنه سحرها، وأقبل على الإحسان إليها، وركن عليها، فألحقته بصاحبه، وألقته بجانبه.

  قوله #: إِنَّ شَّرَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُم اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الْأَمَلِ، فَاتِّبَاعُ الْهَوَى يَصْدِفُ بِقُلُوبِكُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَطُولُ الْأَمَلِ يَصْرِفُ هِمَمَكُم إِلَى الدُّنْيَا، وَمَا بَعْدَهُمَا لأَحَدٍ مِنْ خَيْرٍ فِي دُنْيَا وَلَا آخِرَةٍ.

  الشرّ أصله ما تنفر عنه النفوس، وسواء كان حسناً كالذي يقع من قبل الله سبحانه أو قبيحاً، وقد قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}⁣[الأنبياء: ٣٥] معنى فتنة أي محنة، وبلوى الشر بالصبر، وبلوى الخير بالشكر، والجميع حسن؛ لأنه تعالى لا يفعل القبيح، وأما الشر هاهنا الذي هو اتباع الهوى فهو قبيح. والاتباع هو الاقتفاء واللحاق. والهوى مقصورٌ هوى النفوس وهو شهوتها وإرادتها. وطول نقيض القصر. والأمل طمع بحصول مظنونٍ مشتهى، قال الشاعر:

  تُؤَمِّلُ أنْ تُعَمَّرَ عُمْرَ نوحٍ ... وأمْرُ الله يَحْدُثُ كُلَّ لَيْلَه

  والصّدْف والصَّرْف معناهما واحد، ومنه صَدْف المودة وصَرْفها، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}⁣[الكهف: ٩٦]. يريد لوحي الجبل كأن كل واحد منهما صدف عن صاحبه لمفارقته إياه أبداً، فجمع بينهما # بردمه.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # بيَّن أن شر ما يتخوف علينا اتباع الهوى وطول الأمل، وهو ÷ أعرف العارفين، وأنصح الواصفين، ثم بيَّن ذلك بأنَّ اتباع الهوى يصدف بمعنى يُمِيل ويُبْعد بقلوبكم عن الحق، وطول الأمل يَصرف هممكم إلى الدنيا، وهذا أوضح الإيضاح وأبين التبيان، ولا شك في ذلك لكل عاقل، لأن من اتبع الهوى صدف عن الحق


(١) الأَغْمَار: جَمْعُ غُمْر بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْجَاهِلُ الغِرُّ الَّذِي لَمْ يُجَرِّب الْأُمُورَ، ا. هـ (النهاية ٣/ ٣٨٥).

(٢) سُمول الثوب: بلاؤه. تمت، هامش (أ).