الحديث الأول
  بالأمم الماضية من النِّقَم الهائلة، كالقذف والمسخ والصيحة والرجفة والريح والغرق وأمثالها - نعوذ بالله تعالى منها - على ذنوب قد جاءت طوائفُ من الأمة بمثلها أو قريب منها، فالله تعالى المستعان، وقد يكون بالقول كالوعيد على الإقدام على القبيح.
  قوله #: وَأَمِنَّا كُلَّ جَائِحَةٍ.
  الجائحة والجارفة والقالعة والحالقة والكاشفة معناها واحدٌ، وهي التي تسحت ما في يد الإنسان من الأهل والمال بأحد أمرين لا بد من أحدهما: إما تسلُبُه من الإنسان أو تسْلُب الإنسان منه، وهذا يعلمه كل عاقل، فإذا فكر في ذلك كان الأولى به أن يَكثُرَ سرورُه بما قدمه بين يديه من أهلهِ ومالهِ، والأوامرُ بتقديم المال موجودة كثيرة، وفي تقديم الأهل كثير، وهي دون ذلك، من ذلك ما ذكر في غريب الحديث عن النبي ÷ أنه قال: «مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ عِنْدَكُمْ» قالوا: يا رسول الله من لم يولد له ولد، قال #: «بَلْ هُوَ مَنْ لَمْ يَمُتْ لَهُ وَلَدٌ» فنبه # على أنَّ ما نَقَصَ من الدنيا وزاد في الآخرة خيرٌ مما زاد في الدنيا ونقص في الآخرة.
  قوله #: طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ.
  طوبى شجرة في الجنة يستقر تحتها الفائزون، والطوب هو الآجرُّ الذي يُتَّخَذُ لمحاريب الملوك. والشغل المنع في أصل اللغة. والعيب في الأصل فسادُ الشيء وتغيُّرُه، سمعت من بعضهم، هذا في اللفظ.
  فأمَّا المَعْنَى: فإن العاقل إذا فكر في أمر نفسه ونُقْصِها؛ إذِ الخلق البشري لا ينجو من النقصان، من ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «كُلُّ بَنِي آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ(١)» يشير إلى نقصانهم وتعذر الكمال فيهم؛ كان(٢) له بالاشتغال بإصلاحها وتقويم أَوَدِها مندوحةً عن الاشتغال بأمر غيره، وعند فعله لذلك يستحق طوبى الجنان وحالة الرضوان.
(١) طَفُّ الصَّاع: هو أنْ يَقرُبَ أنْ يَمْتَلِئ فَلَا يَفْعَلُ، (الصحاح: ٤/ ١٣٩٥) ومنه التطفيف في المكيال.
(٢) جملة جواب الشرط (إذا فكر ...).