الحديث الأول
  قوله #: طُوبَى لِمَنْ أَنْفَقَ مَالاً اكْتَسَبَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ.
  طوبى معناه ما تقدم. والإنفاق معروف، ومن الحديث: «أنْفِقْ يا بِلَالُ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالاً» وأصل النَّفاق في اللغة الهلاك، ومنه قولهم نفقت الدابة، أي هلكت، ثم صار في عرف اللغة يفيد ما ذكرنا وهو الإعطاء.
  ومعنى قوله # في المال أنه المكتسب من غير معصية الله، أعني ما يتعلق الأجر والثواب بالإنفاق منه؛ لأنَّ ما كُسِبَ من المعصية فهو سحتٌ حرامٌ لا يؤجر من أنفق منه، ومن ذلك الحديث من النبي ÷: «لَا تُقْبَلُ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُول» بضم الغين واللام، والغلول هو الحرام، وأنواعُ مكاسبه كثيرةٌ أعاذنا الله منها، من ذلك: مَهْرُ البَغِيِّ، وحُلْوانُ الكاهن(١)، وعَسْبُ الفَحْل، وما يأخذ الباغي على وجه الإكراه والجباية، وكل ذلك لا تقبل منه الصدقة؛ لأنَّ منه ما يجب ردُّه على صاحبه، ومنه ما يجب صرفه إلى بيت المال، وتفصيل شرحه يطول.
  وفائدة الحديث أنَّ المنفِقَ في الحلال تكون له طوبى الجنان نُزُلاً، والثواب الدائم من متاع الدنيا الفاني بدلاً، وذلك المكسب الربيح والمتجر المفيد.
  قوله #: وَجَالَسَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ.
  المجالسة معروفة، وإنما المراد الاستماع والاتباع دون مجرد المجالسة، فقد كان المنافقون يلزمون مجلِسَ النبي ÷، ولهذا قال تعالى حاكياً عنهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا}[محمد: ١٦] يوهمون الحرص على حفظ ما جاء به الرسول ÷ وهم لا يتبعون، فلمْ يُغْنِ عنهم ذلك شيئاً، بل عقَّب ذلك سبحانه بذمهم بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ١٦}[محمد] فعقب ذلك بالذم، فكان قبيحاً لَمَّا تعرَّى عن الفائدة الحسنة.
  والفقه في أصل اللغة هو العلم، لا فرق عندهم بين قول القائل: فقهت كذا وكذا، وبين قوله: علمت كذا وكذا، ثم قد صار في عرف العلماء يفيد العلم أو الظن بجُمَلٍ من الأحكام الشرعية
(١) حُلْوَانُ الكاهِن هُوَ مَا يُعْطاه مِنَ الْأَجْرِ والرِّشوة عَلَى كَهَانَتِه يُقَالُ: حَلَوْتُه أحْلُوه حُلْوَاناً. (النهاية ١/ ٤٣٥).