حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 380 - الجزء 1

الحديث الأربعون

  عَنْ⁣(⁣١) أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وقد تَقدَّم ذِكْرُ نَسَبِهِ وَشَرْحُ طَرَفٍ مِنْ حالِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ÷: «مَا مِنْ بَيْتٍ إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَقِفُ عَلَى بَابِهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا وَجَدَ الْإِنْسَانَ قَدْ نَفِدَ أُكْلُهُ، وَانْقَطَعَ أَجَلُهُ، أَلْقَى عَلَيْهِ غَمَّ الْمَوْتِ، فَغَشِيَتْهُ كُرُبَاتُهُ، وَغَمَرَتْهُ عَلَزَاتُهُ، فَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّاشِرَةُ شَعْرَهَا، والضَّارِبَةُ وَجْهَهَا، وَالْبَاكِيَةُ لِشَجْوِهَا، وَالصَّارِخَةُ بِوَيْلِهَا، فَيَقُولُ مَلَكُ الْمَوْتِ: وَيْلَكُمْ؛ مِمَّ الْفَزَعُ؟ وَفِيمَ الْجَزَعُ؟ مَا أَذْهَبْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ رِزْقاً، وَلَا قَرَّبْتُ لَهُ أَجَلاً، وَلَا أَتَيْتُهُ حَتّى أُمِرْتُ، وَلَا قَبَضْتُ رُوحَهُ حَتَّى اسْتُؤْمِرْتُ، وَإِنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً، حَتَّى لَا أُبْقِي مِنْكُمْ أَحَداً، فَقَالَ النَّبِيُّ ÷: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ يَرَوْنَ مَكَانَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، لَذَهِلُوا عَنْ مَيِّتِهِمْ وَلَبَكَوا عَلَى نُفُوسِهِمْ، حَتَّى إِذَا حُمِلَ الْمَيِّتُ عَلَى نَعْشِهِ رَفْرَفَ رُوحُهُ فَوْقَ النَّعْشِ وَهْوَ يُنَادِي: يَا أَهْلِي، وَيَا وَلَدِي؛ لَا تَلْعَبَنَّ بِكُمُ الدُّنْيَا كَمَا لَعِبَتْ بِي، جَمَعْتُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَغَيْرِ حِلِّهِ، ثُمَّ خَلَّفْتُهُ لِغَيرِي بِالْمَهْنَأةِ لَهُ، وَالتَّبِعَةِ عَليَّ، فَاحْذَرُوا مِثْلَ مَا حَلَّ بِي».

  الرسول معروف وأصله من الهَوْن، يقال على رِسْلِك أي على هَوْنٍ من أمرك، وشَعَرٌ رَسْلٌ إذا لم يكن فيه جعودة، كأنها أخذت من الشدة، ولهذا يقال للبخيل: جعد الكف، أي شديدها، ومنه الرِّسْلُ الذي هو اللبن لأنه يخرج بِهَوْنٍ، وجاءت الخيل أرْسالاً يتلو بعضها بعضاً بغير طرد ولا شل، ومنه الإبل المراسيل التي يسهل سيرها للين أعطافها وهو كثير المساحة، وقد تُسمى الرسالة رسولاً كما قال الشاعر⁣(⁣٢):


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا القاضي أبو جعفر أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس بن مالك ... الحديث.

(٢) البيت لِكُثَيِّرِ عَزَّة، وهو كُثيّر بن عبد الرحمن الخزاعي، صاحب عزّة، أحد الشعراء العشاق في العصر الأموي؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٠٥ هـ. في ولاية يزيد بن عبد الملك. قيل أنه كان على مذهب الكيسانية الذين يقولون بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) بعد الحسين بن علي #.