الحديث الأربعون
  لَقَدْ كَذَبَ الْواشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهُمْ ... بِسِرٍّ وَلَا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُول
  يريد برسالة، والأصل ما ذكرنا، قال أبو ذؤيب الْهُذَلِي(١):
  أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيرُ الرَّسُو ... لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَواحي الخَبَرْ
  ولما كان الرسول يسهِّل الأمر على المرسِل سُمي رسولاً.
  وإذا أُطْلِقَ الرسولُ في وقتنا هذا لم يسبق إلى الأفهام إلا النبي ÷، وقد شهدنا له بتبليغ الرسالة، وتأدية الأمانة، فجزاه الله عنَّا خيراً، وبعثه مقاماً محموداً، وأعطاه ما وعده، وزاده من سَعة جوده، وإنما دعاؤنا له تعبُّدٌ، كما أُمرنا بالصلاة عليه وعلى أهل بيته، وإن كان يَفْعَلُ له ذلك وإن لم يسأل، وذَكَرْنا هذا لأنا سمعنا من جهال الشيعة من ينكر مثل ذلك، ولفظ النبي في الأصل يخالف لفظ الرسول، إلا أنه إذا هُمِزَ أفاد الإنباءَ والإخبارَ، على معنى أن الله أنبأه وأخبره، وعلى معنى أنه أنبأنا وأخبرنا، فيكون فعيل بمعنى مُفْعِل؛ كما يقال: سميع بمعنى مُسْمِع، قال عمرو بن معدي كرب(٢):
  أَمِنْ رَيحانَةَ الدَّاعي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُني وَأَصْحابي هُجوعُ
  وقد يكون فعيل بمعنى مُفعَل كما قال الشاعر(٣):
  وَقَصِيدَةٍ تَأْتي الْمُلُوكَ حَكِيمَةٍ ... قَدْ قُلتُها لِيُقالَ: مَنْ ذا قالَها؟
  فحكيمة هاهنا بمعنى مُحكَمَة، وقد ينبِئُ ويخبِرُ من لم يُرْسَل.
  فأما إذا كان بغير همز فهو مأخوذ من الرفعة وهي النباوة في الأصل.
  والصلاة من الله بمعنى الرحمة، ومن العباد دعاء بذلك، قال الأعشى:
(١) أبو ذؤيب الهذلي الشاعر المشهور، اسمه خويلد بن خالد بن محرث، ويقال: خالد بن خويلد. كان فصيحا متمكنا في الشعر، قال عنه حسان بن ثابت، أبو ذؤيب أشعر هُذَيْل، وهُذيل أشعر الناس ... عاش في الجاهلية دهراً، وأدرك الاسلام فأسلم،. توفي في زمن عثمان سنة ٢٦ وقيل سنة ٢٧ هجرية.
(٢) سبقت ترجمته في شرح الحديث الثامن عشر.
(٣) البيت للأعشى، وقد سبقت ترجمته في شرح الحديث الثامن والعشرين.