الحديث الأربعون
  تَقُولُ بِنْتِى وَقَدْ أَزْمَعْتُ مُرْتَحِلاً ... يا رَبِّ جَنِّبْ أَبي الْأوْصَابَ والوَجَعا
  عَلَيكِ مِثْلُ الذي صَلَّيتِ فاعْتَمِدِي ... صَبْراً فإنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعا
  و (سَلَّمَ) مأخوذٌ من السلامة والدَّعَة، ومنه أُخِذ السَّلَمُ، سلامٌ عليكم: معناه أمْنٌ ودَعةٌ عليكم منَّا، والله سبحانه السلام؛ لأن ذلك لا يكون حقيقةً خالصاً إلَّا منه الأمن والدعة.
  قوله #: مَا مِنْ بَيْتٍ.
  (ما) هاهنا نافية و (مِنْ) حرف جر يُبيَّن به جنسُ المخْبَر عنه.
  والبيتُ يكون شَعَراً ووَبَراً وحَجَراً ومَدَراً، قال الشاعر(١):
  وَالبَيْتُ لَا يَبْتَني إِلّا عَلَى عُمُدٍ ... وَلَا عِمادَ إِذا لَم تُرْسَ أَوْتادُ
  فَإِنْ تَجَمَّعَ أَوْتادٌ وَأَعْمِدَةٌ ... وَساكِنٌ بَلَغُوا الأَمْرَ الَّذي كَادُوا
  فهو هاهنا بيت البادية من شعر أو وبر، ولما كان بيت الشِّعْرِ يقوم بنفسه على ترتيبٍ مخصوص وتقطيع معلوم سُمي بيتاً، والبيت العتيق بيت الله، وسُمي عتيقاً لقِدَمِه؛ لأنه أول بيت وضع للناس، وهو قِبْلةُ الأنبياء $ إبراهيم ومَنْ قبله، وهو مأخوذ من باتَ بمعنى سكن، وسكون الليل هو المبيت في الأصل، ثم صار عمل الليل كله وما يقع من التصرف فيه مُفَرَّعاً على هذا، فيقال: ما عنده بِيتُ ليلة، وبِيتَةُ ليلة أي عشاء ليلة يُسَكِّنُه، وبات فلانٌ بِيتَةَ سَوْءٍ، أي في مشقّة من جوع أو غيره، ويقال: بِتُّ بهذا المكان، أي اتخذته مسكناً في ليلتي وإن لم يكن بيتاً، ويقال:
(١) هو الأَفْوَهُ الأَوْدِي: واسمه صَلاءَة بن عمرو بن مالك بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبه بن أود بن الصعب بن سعد العشيرة، من مذحج: شاعر يماني جاهلي، يكنى أبا ربيعة. ولقب بالأفوه لأنه كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان. وكان من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية، وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدرون عن رأيه، والعرب تعده من حكمائها، توفي نحو عام ٥٠ قبل الهجرة، وهذين البيتين من قصيدته الدالية التي هي من أشهر شعره والتي تُعَدُّ من حكمة العرب وآدابها، وبعد البيتين:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ ... ولا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
تَلْفَى الْأُمُورَ بِأَهْل الرَّأْي مَا صَلُحَتْ ... فإنْ تَوَلَّتْ فَبِالْأَشْرارِ تَنْقَادُ
انظر الأغاني (١٢/ ١٦٩) والأعلام للزركلي (٣/ ٢٠٦).