الحديث الأربعون
  من الكتاب سليمان #، دعا إلى الله ففعل له ذلك، وقيل هو جبريل #، وقيل آصف وزير سليمان وكان من الصالحين، وقد علمت ما حكى الله سبحانه عن عفريت من الجن أنه وعد أن يأتي به قبل أن يقوم سليمان # من مجلس الحكم، وكان يقف فيه إلى شرقة النهار، يأتي به في هذه المدة من مأرب إلى تدمر في أقصى الشام، وإذا علم العاقل هذا وتيقَّنه فكيف يطيب عيشه أو يسلو قلبه أو يشتغل خاطره بشيء من أمور الدنيا إذا كان ملك الموت يزوره كل يوم خمس مرات، ولا يؤمن أن يؤمر في بعض تلك المرات بإنفاذ الأمر وهو على غِرَّةٍ وغفلةٍ ليس بمغفول عنه.
  قوله #: فَإِذَا وَجَدَ الْإِنْسَانَ قَدْ نَفَدَ أُكْلُهُ، وَانْقَطَعَ أَجَلُهُ.
  الإنسان معروف، وهذا اسم عام للذكر والأنثى، يقال هذه إنسان وهذا إنسان، وقول من يقول إنسانة لا أصل له إلا القياس. والنفاد هو النجاح والفراغ. والأُكل بضم الهمزة ما يؤكل، والأَكْل هو المصدر من قولك أكلت أَكْلاً وأَكْلةً مرةً واحدةً، قال الشاعر:
  مَا أَكْلَةٌ (إنْ نِلْتُها)(١) بِغَنيمَةٍ ... وَلَا جَوْعَةٌ إنْ جُعْتُها بِغَرام
  ففتح لأنها مَرّةٌ، ويدُلّك عليها جوعة، فأما الإكلة بالكسر فهي حالة الأكل جالساً أو متَّكئاً، وما كان على هذا البناء فحكمه واحدٌ كالرِّكْبة والجِلْسَة والعِمَّة(٢)، وأما أُكْلَة بضم الهمزة فالمراد لقمة واحدة، وقد قال عمر بن سعد لعنه الله يوم الحسين # لمَّا كاع الناس وهابوه: ما تنتظرون؟! إنما هي أُكْلَةٌ واحدةٌ، أي لقمة، تمثيلاً لما عاين من قِلَّة أصحاب الحسين # وكَثْرَةِ أصحابه(٣)، فأعقبته تلك الأُكْلَةُ شرّاً طويلاً، والأُكْل ما أُكِل، وكذلك الأَكل وإن كان
(١) في جميع النسخ بلفظ: (مَا أَكْلَةٌ أكَلْتُهَا بِغَنيمَةٍ) وما أثبتناه من المصابيح في التفسير عن الحسين بن القاسم العياني #، عند تفسير لفظة: (لمغرمون) أي معذبون، وكذلك في غيره من الكتب، وينسب البيت لحاتم الطائي، ونسبه أبو الفرج إلى حسين بن سعد عم النعمان بن بشير، ويروى عن بعض بني نهد.
(٢) من الاعْتِمام والتَّعَمُّم بالعِمامَة.
(٣) كان على رأس أربعة آلاف مقاتل، والحسين # في اثنين وسبعين من أصحابه.
وهو عُمَر بن سَعْد بن أبي وقاص الزهري القرشي المدني، قائد الجيش الذي قتل سيد شباب أهل الجنة ..... قتله المختار بن أبي عبيد الثقفي سنة ٦٦ هـ، ومن أعجب العجب أنه هو وأمثاله عند القوم من العدول الثقات المؤتمنين على نقل السنة.