حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 386 - الجزء 1

  مصدراً، يقول قائلهم:

  ما ذقت أكْلاً لا ولا عَذُوفاً

  - الذال معجمة وغير معجمة⁣(⁣١) - ولا عضاضاً ولا قضاضاً، كأن العضاض لما لَانَ، والقضاض لما صَلُبَ، ومعناهما سواء، يريد: ما ذقت شيئاً، فأمَّا النوم فيقول: ما ذقت غَماضاً، والأكيل الذي يأكل معك ذكراً كان أو أنثى، هذا أكيلي وهذه أكيلي، وتقول: آكَلْتُ فلاناً، ولا تقول: واكلته، والأُكْلُ بالتخفيف الرزق، يقال: إنه لعظيم الأُكْل في الدنيا، يراد الرزق والحظ، والأَكْلُ الطُّعمة، يقال: جعلت لك أَكْلاً، أي طُعْمة، والأكولة من الغنم شاةُ اللحم، والأكيلة الفريسة من الأسد أو من سائر السباع، جمعها أكايل، وهو فَعيلة بمعنى مفعولة، وأُكْلُ البستان ثمره، قال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ}⁣[الرعد: ٣٥] فأما قولهم: ثوب ذو أُكْلٍ فليس من هذا، إنما هو ثوب متين جيد الصَّنْعة، ولا يبعد أن يرد إليه بأنْ يقال إنه يأكل الأيام ولا تأكله، وهذا تأويل كما ترى وقد بَعُدْنا، ولعل هذا إن شاء الله يفيد، فلنرجع إلى ما كنا بصدده.

  والانقطاع انفِعالٌ من القطع وهو نقيض الوصل. والأجل هو الميقات الذي يُبْلغ إليه ويُوقَفُ عنده، وقد كانت العرب تقول عند رؤية الهلال: لا مرحباً بمُحِل الدَّين ومقَرِّب الأجل.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبر بحال الملَك الكريم المتيقظ لأمر ربه مع الإنسان الغافل عما أُمِر به، وأنه إذا وجد الإنسان ووِجْدانُه له على الحال التي ذكر هو بلوغ العلم إليه من عند ربه بأنَّ هذا قد بلغ أجلَه، واستكمل عملَه، وما بقي له في العلم السابق رزقٌ يَهْبِط، ولا عملٌ يَصْعَدُ، وما بعد هذا إلا الموت، وفي الحديث أن رسول الله ÷ سأل عن عبد الله بن رواحة الأنصاري، فقيل له: يا رسول الله إنَّه في آخر نفس، فقال #: قوموا بنا إليه، فدخل عليه فوجده مُسَجّاً قد أُغمي عليه ثلاثة أيام بلياليها، فقال المسلمون: يا رسول الله اعجب لعبد الله وتَعرُّضِه للشهادة في موطن بعد موطن، ثم يكون موته قبضاً على فراشه؟! فقال #: «اللَّهُمَّ إنْ كَانَ عَبْدُكَ عَبْدُ اللهِ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيا رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَأَثَرُهُ فَإِلَى رَحْمَتِكَ،


(١) (عَذُوفاً) و (عَدُوفاً) أيْ مَا ذُقْتُ شَيْئاً. قال الجوهري في الصحاح: بالذال المعجمة لغة ربيعة، وبالدال المهملة: لغة مضر،.