حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 387 - الجزء 1

  وإنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ في الدُّنْيا رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَأَثَرُهُ فَعَجِّلْ شِفَاءَهُ وَعَافِيَتَهُ» ثم قام من عنده، قال الراوي: فما استكمل رسول الله ÷ جِلْسَتَهُ في المسجد حتى قيل: يا رسول الله؛ هذا عبد الله قد أقبل، فقام المسلمون، فأتى إلى بين يدي رسول الله ÷، فقال: «يا عَبْدَ اللهِ حَدِّثْ بِمَا رَأَيْتَ، فَلَقَدْ رَأَيْتَ عَجَباً» قال: يا رسول الله كان كلما صَرَخَتْ صارخةٌ فقالت واعِزَّاه؛ أهوى إليَّ ملَكٌ بمقمعة من حديد، من صفتها كذا وكذا، فيقول: متى أنت عِزُّها؟! فأقول: بل الله عزها، ويرفع بعد إهواءٍ، وكلما قالت واجبلاه؛ أهوى إليَّ وقال: متى أنت جبلها؟! فأقول: بل الله جبلها، فيرفع بعد إهواءٍ، قال: فقال #: «انْظُرُوا إِلَى مَا يَلْقَى مَوْتَاكُمْ مِنْ فِعْلِ أَحْيَائِكُمْ» فرحم الله عبداً نفد أكله من الدنيا، وانقطع أجله فيها، وقد رمَّ⁣(⁣١) الزاد وأحسن الاستعداد.

  قوله #: أَلْقَى عَلَيْهِ غَمَّ الْمَوْتِ، فَغَشِيَتْهُ كُرُبَاتُهُ وَغَمَرَتْهُ عَلَزَاتُهُ.

  الإلقاء هو الطرح. والغم نقيض السرور، وهو مأخوذ من التغطية؛ غمَّه إذا غطَّاه، وكأنَّ الفرسَ الأغمّ غطى وجهَهُ عدم الغُرَّة، والأغمُّ من الرجال كثير شعر مقّدَّم الرأس حتى يتغطى جبينه، قال هُدْبَةُ بن خَشْرم العُذْرِي يخاطب امرأته في قصة طويلة⁣(⁣٢):


(١) في (أ): وقدَّمَ الزَّادَ.

(٢) هُدْبَةُ بنُ خَشْرَم بْنِ كرز، من بني عامر بن ثعلبة، من سعد هذيم، من قضاعة: شاعر، فصيح، مرتجل، راوية، من أهل بادية الحجاز (بين تبوك والمدينة) كنيته أبو عمير ..

وخلاصة القصة أنه قَتَلَ رجلاً من بني رَقَاش، من سعد هذيم، اسمه (زيادة بن زيد) وابتعد عن منازل قومه، مخافة أن يقبض عليه والي المدينة (سعيد بن العاص) وأرسل سعيد إلى أهل هدبة فحبسهم بالمدينة. وبلغ هدبة ذلك، فأقبل مستسلماً، وأنقذ أهله. وبقي محبوساً ثلاث سنوات، ودُفع إليهم، فقتلوه أمام والي المدينة وجمهور من أهلها. وأظهر صبراً عجيباً حين قُتل. يروى أنه حين مُضي به من السجن للقتل التفتَ فرأى امرأته؛ وكانت من أجمل النساء فقال:

أَقِلِّي عليّ اللَّومَ يا أُمّ بَوزَعا ... ولا تَجْزَعي مِمَّا أصَابَ فأَوْجَعا

ولَا تْنكحِي إِنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنا ... أَغَمَّ القَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأنْزَعا

ا. هـ. انظر قصته كاملة في كتاب الأغاني (١٠/ ٢٥٧).