حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 389 - الجزء 1

  وغمرة وغمرات.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ الملَك # إذا علم بانقطاع أجل العبد ألقى عليه غمَّ الموت، وهذا من بقية أنواع البلوى في الدنيا، ويكون الله سبحانه قد مكنه من ذلك وأقْدَرَهُ على إيصاله إلى قلبه ببعض الأسباب، إما بخاطرٍ أو كلامٍ يشبهه يُلقى إلى باطن السمع مما يبعث الحزن المؤدي إلى الغم، فغشيت العبدَ كرباتُه، كربة بعد كربة، معناه شِدّة بعد شدة، وغمرَتْهُ عَلَزاته، علزة بعد علزة، فلا ينام كما ينام المغموم، ولا يستروح إلى الفكر كما يستروح المهموم، بل تُضَيّقُ عليه مخارج الأنفاس، وتضاعف عليه عُقَدُ الأمراس⁣(⁣١)، ويساق الروح من القدمين إلى الرأس، فانقطع من أهل بيته الطمعُ، واتصل اليأس والفزعُ.

  قوله #: فَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّاشِرَةُ شَعَرَهَا، الضَّارِبَةُ وَجْهَهَا، وَالْبَاكِيَةُ لِشَجْوِهَا، وَالصَّارِخَةُ بِوَيْلِهَا.

  الهاء في (بيته) عائدة إلى الميت. والأهل والآل واحد، وهم يُبْدِلون الهاء من الهمزة كثيراً في كلامهم، هراق الماء وأراق الماء، وأجهز عليه وأجأز عليه، والهاء هي الأصل، فإذا صغَّروا الآل ردوه إلى أصله فقالوا: أُهيل، ولم يقولوا أُؤَيل.

  الناشرة هي الناقضة عِقَصَ رأسها بنتفها لشعرها فانتشر شعرها، ولأنَّ دَرْيَ⁣(⁣٢) الرأس وتَعْقِيصَه⁣(⁣٣) زينة، ونشره تشنيع، كانوا يتعَمَّدون ذلك - أي التشنيع - عند الحوادث، حتى كُنَّ النساء يلبسن صُدُرَ الشعر، ويشقِّقن الثياب اللينة، وفي الرواية أن خنساء بنت عمرو⁣(⁣٤) دخلت


(١) الأَمْراسُ: الْحِبالُ، (لسان ٦/ ٢١٦).

(٢) دَرْيُ الرَّأْسِ: أي تَسْرِيحُ شَعَرِهِ بالْمِدْرَاة، قال النهاية (٢/ ١١٦): ادَّرَتِ المرأةُ تَدَّرِي ادِّرَاءً إِذَا سرَّحت شَعَرها بِهِ [أيْ بالْمِدْرَى]، وأصْلُها تَدْتَرِي؛ تَفْتَعِل، مِنِ اسْتِعمالِ المِدْرَى، فأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ. ا. هـ.

(٣) العَقْصُ: أَن تأْخذ المرأَةُ كلَّ خُصْلة مِنْ شَعْرِهَا فتَلْويها ثُمَّ تَعْقِدَهَا حَتَّى يَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ ثُمَّ تُرْسلَها، فكلُّ خُصْلة عَقِيصة، (لسان العرب ٧/ ٥٦).

(٤) هي تُماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، الرياحية السُّلَمية، من بني سُليم، من قيس عيلان، من مُضَر (ت ٢٤ هـ): الخنساء لقب غلب عليها، أشهر شواعر العرب، من أهل نجد، عاشت أكثر عمرها في العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام فأسلمت. ووفدت على رسول الله ÷ مع قومها بني سليم، أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها (صخر ومعاوية) وكانا قد قتلا في الجاهلية.

وكان لها أربعة بنين شهدوا حرب القادسية سنة ١٦ هـ فجعلت تحرّضهم على الثبات حتى قُتِلُوا جميعاً، فقالت: الحمد للَّه الّذي شرَّفني بقتلهم. (الأعلام للزركلي ٢/ ٨٦) (الاستيعاب ٤/ ١٨٢٩).