الحديث الأربعون
  على عائشة وعليها صِدارٌ من شعر، فقالت لها عائشة: أما علمت أن رسول الله ÷ نهى عن هذا؟ قالت: ما علمتُ بذلك، وإنَّ لِلِباسِ هذه الصِّدار خبرًا، قالت: ما هو؟ قالت: تزوجتُ رجلاً متلافاً، وكنت أحبه، فأنفد ماله وتجهز للغزو أو السفر - الشك من قبلي - قالت: فلما رأيت ذلك خشيت عليه وقلت له: قف فإني أصل أخي صخراً فلعله يُعيننا بشيء من ماله يكفينا مدةً من الدهر، قالت: فجئته فأخبرته بقصتي، فشاطرني ماله، فرجعت به إلى زوجي، فما لبثَ أن أتلفه، ثم تجهز، فعُقْتُهُ كما كان أولاً، ثم أتيت أخي فأعلمته، قالت: فشاطرني ماله، فرجعت به، فما لبث أن أتلفه، ثم تجهز فعقته، وأتيت أخي فأعلمته، قالت: فقالت له امرأته: اعط أختك شرارها فإنهم يتلفونها، قالت فقال:
  وَالله لَا أَمْنَحُها شِرارَهَا ... ولَوْ هَلَكْتُ حَرَّقَتْ خِمَارَهَا
  وَاتَّخَذَتْ مِنْ شَعَرٍ صِدَارَهَا ... وَهِيَ حِصَانٌ قَدْ أمِنْتُ عَارَهَا
  قالت: فقاسمني ماله نصفين، فرجعت به إلى زوجي، فلذلك لبستُ هذه الصِّدار، ولا أعود إلى ما نهى عنه رسول الله ÷.
  الضاربة وجهها هي اللَّاطمة بيدها وجهها استعظاماً للمصيبة. الوجه معروف وهو نقيض القفا، قال الشاعر(١):
  نُعَرِّضُ لِلسُّيوفِ إذا الْتَقَيْنَا ... وُجُوهاً لَا تَعَرَّضُ لِلِّطام
  والبكاء معروف، وأصله تَقْطار الماء، والماءُ البَكيُّ الذي يقطر لقلته ولا يسيل. والشجو ما يكون في الحلق من الحزن غُصَّة تَعْرِضُ كالشجا، وهو العود المعترِض، قال الراجز:
  كنتُ لَهُ مِثْلَ الشَّجا في مَسْحَطِه(٢)
  يريد في حلقه، وإنما هي غُصَّة تنزو من الصدر فتلزم الحلق.
(١) ورد البيت في ديوان الحماسة ونسبه إلى الْحَرِيش بن هِلَال القُرَيْعِي.
(٢) في جَمِيعِ النُّسَخِ: مِشْحَطه، وما أُثْبِتَ هُو الْأَوْلَى؛ لأنَّ المَسْحَطَ هو الْحَلْقُ، كما في قواميس اللغة، أمَّا المِشْحَطُ، كمِنْبَرٍ: فهو عُودٌ يُوضَعُ عند قَضيبِ الكَرْمِ، يَقيهِ من الأرضِ، (انظر القاموس المحيط: ٦٧٣) والرجز أورده الزمخشري في أساس البلاغة، ولم ينسبه لأحد، وصدره: وساخِطٍ من غَيْر شَيْءٍ مُسْخِطِهْ ....