الحديث الأول
  وعِلَلِها وشروطِها وأسبابِها التي لا تُعْلَمُ باضطرار أنها من الدين، فمن عَلِمَها على هذا الوجه كان فقيهاً، ومن لم يعلمها فليس بفقيه عند أهل الأصول.
  والحكمة في أصل اللغة يفيد ما يمنع من الوقوع في غير المراد، ومنه أخذت حَكَمَةُ الدابة، ثم صار في العرف يفيد العلم بدقائق العلوم وغوامض الأحكام والمعارف، فأما عندنا فالحكمة تفيد المعرفة بمعاني كتاب الله تعالى، وعليه يحمل قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩] وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[الجمعة: ٢] فالكتاب هو القرآن، والحكمة معانيه، ومثل هذا التأويل مرويٌّ عن جدنا عبد الله بن الحسين(١) #.
(١) السيد الإمام الحجَّة عبد الله بن الحسين العالم، بن القاسم ترجمان آل الرسول، بن إبراهيم بن إسماعيل، صنو الهادي إلى الحق # والوارد معه إلى (اليمن). ... ومن ولده حمزة بن الحسن بن عبدالرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين، ويقال لولده: بنو حمزة باليمن. قال المنصور بالله في الشافي: ولا يُعْرَف في جميع أنساب الطالبيين وفي مشجراتها وشعرها وجرائدها إلا بالعالم، ولا يوجد ذلك لغيره، وكفى بذلك شاهداً بفضله، وكذلك رأيناه في الكتب الخارجة من خزانة صاحب بغداد وفيما كان من مصر وغيرهما من الأقطار، وله كتاب (الناسخ والمنسوخ) لا يوجد في الكتب الموضوعة في الناسخ والمنسوخ مثله، وأصوله في العدل والتوحيد معلومة في تصانيفه. ومما استدلت به الزيدية المهدية على إمامة يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق # تسليم أخيه عبدالله بن الحسين العالم الأمر له واعتقاده إمامته، وجهاده بين يديه. أخذ العلم عن أبيه الحسين بن القاسم الحافظ). انتهى من كتاب الشافي ط ٢ (ج ٢/ ٣٣٨).
قال القاضي في مطلع البدور: الوارد معه إلى (اليمن) المسمَّى بصاحب الزعفرانة؛ لرؤيا رآها بعض الصَّالحين، أنه عاتبه في ترك زيارته، مع أنه لم ينبت الزعفران في قبر أحد غيره، كان عالماً مستجمعاً لخصال الفضل، وجعله العلماء أحد فضائل يحيى بن الحسين، وقالوا: حسبُه مطاوعة عبد الله له على جلالة قدره، فإنه أعلم أهل زمانه، وأفضلهم، ... الخ، (مطلع البدور ٣/ ٦٥) ... ومن أراد التوسع في ترجمته ومعرفة مكانته فليطالع سيرة أخيه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين # حيث كان ينتدبه في المهمات الكبيرة التي لا يقوم لها إلا هو، كانت وفاته سنة ٣٤٤ هجرية كما هو مدون على ضريحه، والله أعلم.