حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 391 - الجزء 1

  والصراخُ معروفٌ وهو رفع الصوت عند الحادثة العظيمة بأصواتٍ منظومة وغير منظومة، فلذلك بَيَّنه ÷ بقوله: (بِوَيْلِهَا) والويل كلمة يذكرونها عند الشر والحوادث، وهي مما تَخِفُّ على أفواه النساء، وأحسب أصله القتل والنكال، فلما كثر استعماله جُعِل لكل كربة، وقد يُتْبَعُ بالألِيل فيقال: نزل بهم الويل والألِيل، أي القتل والصراخ، وقيل ويلٌ وادٍ من أودية النار نعوذ بالله منها في عرف الشريعة شرفها الله.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبر بحالة أهل الميت عند موته في أغلب الأحوال، وإن كانت هذه أموراً حظرتها الشريعة، في الحديث أنه ÷ قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَلَا مَنْ سَلَقَ وَلَا مَنْ خَرَقَ وَلَا مَنْ دَعا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ» حلق يريد شعره، وسلق صاح بشدة، قال تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}⁣[الأحزاب: ١٩] أي صاحوا عليكم، ولا من خرق ثوبه، ولا من دعا بالويل والثبور، وقال في ذلك لبيد بن ربيعة:

  تَمَنَّى ابْنَتايَ أنْ يَعِيشَ أَبُوهُما ... وَهَلْ أَنَا إلَّا مِنْ رَبيِعةَ أوْ مُضَرْ

  وَباكِيَتانِ تَبْكِيَانِ لِهَالِكٍ ... تَوَلَّى إذاً لَا عَيْنَ مِنْهُ وَلَا أَثَرْ

  فَقُوما فقُولَا بِالَّذِي تَعْلَمَانِهِ ... وَلَا تخْدِشَا وَجْهاً وَلَا تَحْلِقَا شَعَرْ

  وَقُولَا هُوَ الْمَرْءُ الَّذِي لَا خَلِيلَهُ ... أضاعَ وَلَا خانَ الْوِدَادَ وَلَا غَدَرْ

  في أبيات له نهاهما عن حلق الشعر وخمش الوجوه وتلك عادتهم.

  وفي الرواية أن الحسن بن الحسن #(⁣١) مات لخمس وثلاثين سنة من مولده، فقال لامرأته فاطمة ابنة الحسين⁣(⁣٢): ما أفارق شيئاً من الدنيا أهمَّ عليَّ منكِ، وكأني عند المرور بجنازتي


(١) هو: الإمام أبو محمد الحسن بن الحسن السبط، قيامه # في أيام عبد الملك. سمه الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي كافاه الله تعالى. توفي: وله من العمر ثماني أو سبع وثلاثون سنة، أفاده في المصابيح والحدائق، ودُفِنَ في البقيع. وهو ممن حضر الطف مع عمّه الحسين بن علي، وزوَّجه ابنته فاطمة، وهي أم أولاده: عبدالله الكامل، وإبراهيم الشِّبه، والحسن المثلث، وله من غيرها: داود، وجعفر $ (التحف شرح الزلف للإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي #، ط ٥، صـ ٧٠).

(٢) فاطمة بنت الحسين، أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.