حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 392 - الجزء 1

  بعبد الله بن عمرو بن عثمان قد رَجَّل جُمَّتَه⁣(⁣١)، وركب فرسه، ولبس حُلَّتَه، وسار في عرض الناس يتعرض لنكاحك؛ وما أحب أن ينكحك، فأثلجته بالأيمان، فلما مات # وحُمِل؛ فَعَلَ عبد الله بن عمرو بن عثمان الصورة التي ذكر، وكان من أجمل الناس في عصره، يسمى الْمُطْرَف لحسْنه، فلما خُرِجَ بالجنازة رفعت فاطمة يديها إلى وجهها ولحقها ضعف النساء في احتمال الصبر، فأمر إليها عبد الله بن عمرو بن عثمان: إن لنا في وجهك حاجة فارفقي به، فلما جاءها الكلام أرخت يديها وتجلببت بثيابها، فلما حَلَّتْ أمَرَ إليها يخطبها فامتنعت من ذلك أشد الامتناع، فأمر إلى أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله يتشفع بها إليها، فكلمتها فأبت ذلك، فخرجت أمها إلى الشمس وأقسمت لا فارقت الشمس حتى تأذن لها في زواجه، فحرجت فاطمة من ذلك، وتمادت فيه أمُّها حتى مضى من النهار ساعتان ثم أذنت، وكانت سكينة بنت الحسين # تقول: أُبْرِزْنا لهم يوم الطف، تشير إلى أنه لولا قتل الحسين # ما زُوِّجْنَ ممن زُوِّجْنَ منه؛ ولكن الضرورات تقضي بذلك وبغيره، ولما ذكرتْ أيمانها لعبد الله بن عمرو بن عثمان أعطاها بكل عبد مما نذرتْ عِتْقَه عبدين، وعن كل شيء مما تصدَّقت به شيئين، وهذا عارضٌ أصلُه ذِكْرُ ضَرْبِ الوجه.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن رسول الله ÷ حكى حال أهل الميت وما يلقون بعده من المشقة عليه من نتف الشعور، وخمش الوجوه، ورفع الأصوات والبكاء بشجو وعبرةٍ، والصراخ بويلٍ وحسرةٍ، وكل ذلك أمر لا يَرُدُّ الفائتَ، ولا يُحيي المايت، ولا يصلح أن تُقابَلَ به الأوامر الإلهية، وإنما تُقابَلُ بالرضى والتسليم، والاستعداد للقاء الواحد العليم، بما فرض من الطاعات، وألزم من العبادات، فإن الذي أوجب هو أقلُّ القليل في جنب ما أباح وأحلَّ من التصرف في القول والعمل، فأي عذر لمن شغل نفسه بفعل المحظور الذي يكون عليه وبالاً ونكالاً عن الواجب الذي يكون له غوثاً وبِلالاً⁣(⁣٢)، وهل نهاية الحي إلا الموت، وهل عاقبته إلا


(١) الجُمَّة، بالضَّمّ: مُجْتَمَعُ شَعَرِ الرَّأْس، وَهِي أَكْثَرُ من الوَفْرَة. (الصحاح ٥/ ١٨٩٠).

(٢) تكرّر تفسيرها في الحديث الواحد والعشرين والتاسع والعشرين، قال: البِلال: جَمْعُ بَلَل، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا بَلَّ الحَلْقَ مِنْ مَاءٍ أَو لَبَنٍ أَو غَيْرِهِ. (لسان العرب: ١١/ ٦٤).