حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 393 - الجزء 1

  الفوت، وهل لأمر الله سبحانه بالكراهة ردٌّ، وهل لنزوله بالعباد صَدٌّ.

  فيا أيتها الصارخة؛ أعَلَى نفسك تصرخين؟ أم على الميت الدفين؟ رفقاً فأنت به لاحقة ولو بعد حين، ولو أضْرَبْتِ عن ضَرْب الوجه وبدَّلْتِ مكان ضربه سجوداً في الساجدين لكنتِ من الناجين الماجدين، ولو كان البكاء للشجا ندماً على الذنوب السابقة كُتِبْتِ في زمرة الفائزين، فيا لها من غفلة عمت الذكور والإناث، وعاقت الجميع عن الانبعاث.

  قوله #: فَيَقُولُ مَلَكُ الْمَوْتِ: وَيْلَكُمْ؛ مِمَّ الْفَزَعُ؟ وَفِيمَ الْجَزَعُ؟ مَا أَذْهَبْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ رِزْقاً، وَلَا قَرَّبْتُ لَهُ أَجَلاً، وَلَا أَتَيْتُهُ حَتَّى أُمِرْتُ، وَلَا قَبَضْتُ رُوحَهُ حَتَّى اسْتُؤْمِرْتُ، وَإِنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً، حَتَّى لَا أُبْقِي مِنْكُمْ أَحَداً.

  (وَيْلَكُمْ) كلمةٌ تستفتح بها العرب الكلامَ، وويحٌ وويسٌ وويبٌ، إلا أن ويلٌ يستعمل في المدعو عليه، وويسٌ وويحٌ وويب في المدعوِّ له، وقد يستعملون هذا في مكان هذا، والأصل ما ذكرنا. (مِمَّ) استفهامٌ، ومعناه التقرير والإنكار. والفزع نقيض الأمن، وأصله الخوف، وفي الحديث عن النبي ÷ أنه قال للأنصار: «إنَّكُمْ فِيمَا عَلِمْتُ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ وَتَقُلُّونَ عِنْدَ الطَّمَع» وفَزِعَ فلان إذا أغار إلى الصوت والصريخ، والأصل في (مِمَّ): مِنْ أيِّ شيء؟ فأُبدلت الميم من ذلك كله تصرفاً منهم في الكلام وتخفيفاً، وهو أسلوب لسانهم.

  وفيم الجزع؟ (فِيمَ) استفهامٌ كما قدمنا، معناه التقرير والإنكار. الجزع نقيض الصبر، والمراد في أيِّ شيء تجزعون؟ في شيء يَرُدُّه جزعُكم، فشأنكم في شيء لا يرده جزعكم، فاستشعروا الصبر وهوِّنوا على أنفسكم. أذهبْتُ: أزلت وقطعت وأمضيت، والرزق قد تقدم معناه، وكذلك الأجل. والإتيان نقيض الذهاب. والأمر هو قول القائل لغيره: افعل أو ليفعل؛ على جهة الاستعلاء دون الخضوع؛ بشرط الإرادة، وقد قررناه في كتاب صفوة الاختيار، وهو موجود في كتب أصحابنا الأخيار في أصول الفقه. والقبض أصله من القبضة وهي ضم كف الإنسان وأصابعِهِ على الشيء، وذلك أمكن ما يستولي عليه الإنسان، ثم استُعْمِل وكثر حتى لو حَبَس