حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 394 - الجزء 1

  إنسانٌ إنساناً في بيتٍ قيل قبض عليه. والروح قد تقدم الكلام فيها، وهي ما يصير بها الحيُّ حيّاً، والكلام فيها يطول، وعند أصحابنا أنها النَّفَسُ المتردِّدُ في مخارق الحي، وهذا لا شك معنًى تشهد له اللغة أن النفس عندهم تسمى روحاً، قال الشاعر⁣(⁣١):

  فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْها إلَيْكَ وَأَحْيِها ... برُوحِكَ [وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرًا]

  يريد بنَفَسِك، ومنبع ذلك النَفَس من القلب، وهو ينتشر في جميع البدن، وأول ما يخرج من القدمين ثم يعلو حتى يصل الصدر، وعند ذلك يشتد النّزاع ويعظم الارتياع والالتياع، ويضيق بها الذرع والباع، قال حاتم طيء⁣(⁣٢):

  أَماوِيَّ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بقَفْرَةٍ ... مِنَ الْأَرْضِ لَا مَاءٌ لَدَيَّ وَلَا خَمْرُ

  تَرَيْ أنَّ ما أنْفَقْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِي ... وَأنَّ يَدِي مِمّا بَخِلْتُ بِهِ صِفْرُ

  أَماوِيّ ما يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الْفَتَى ... إذا حَشْرَجَتْ يَوْماً وَضَاقَ بِها الصَّدْرُ

  يريد الروح.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبرنا عن كلام مَلَك الموت عند مشاهدته منا ما تقدم ذكره من الجزع المردي، والفزع الذي لا يجدي، أنه قال لنا: ويلكم؛ مم الفزع! وفيم الجزع! - إنكاراً لا استفهاماً ولا استخباراً - ما أذهبتُ لأحدٍ منكم رزقاً؛ ولا قطعتُ له أجلاً؛ ولا أتيته حتى أُمِرْتُ؛ ولا قبضت


(١) القائل هو ذُو الرُّمَّة (٧٧ - ١١٧ هـ) غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر، أبو الحارث، شاعر، من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عَمْرو بن العلاء: فُتح الشِّعْر بإمرئ القيس وختم بذي الرمة. وكان شديد القِصَر، دَمِيماً، يضرب لونه إلى السواد ... توفي بأصبهان، وقيل: بالبادية. (انظر الأعلام للزركلي ٥/ ١٢٤).

(٢) حاتِم الطَّائي (ت ٤٦ ق. ه) حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني، أبو عَدِيّ: فارس، شاعر، جواد، جاهلي. يضرب المثل بجوده. كان من أهل نجد، وزار الشام فتزوج ماوية بنت حجر الغسانية، ومات في عوارض (جبل في بلاد طيء) قال ياقوت: وقبر حاتم عليه، شعره كثير، ضاع معظمه، وبقي منه (ديوان - ط صغير). وأخباره كثيرة متفرقة في كتب الأدب والتاريخ. وأرَّخوا وفاته في السنة الثامنة بعد مولد النبي ÷، ا. هـ (الأعلام للزركلي: ٢/ ١٥١).