الحديث الأربعون
  روحه حتى استُؤْمرْتُ - استفعال من الأمر - ومع ذلك فإنَّ لي فيكم عودةً معناه رجعةً، لا فرق بين قولهم عاد ورجع، ومنه سمي العيد عيداً لرجوعه في كل عام، ويقال عادني عيد، أي رجع إليَّ راجع، كرّر رجوعه إلينا لقبضه مرة بعد مرة، وكذلك حاله، فنسأل الله تعالى حسن الاستعداد.
  وجَعَلَ غايةَ عودته إلينا النجاح وذلك معلومٌ مشاهدةً؛ فإنَّ الموت لا يزال يُرَدَّد فينا وإلينا حتى يُلْحِقَ الآخرَ الأوَّلَ، فمِنْ مُشمّرٍ مسرورٍ بقدومه، ومن مقصّرٍ مغمومٍ بهجومه، قد فرَّط حتى دهمته فوارطه(١)، وغفل حتى أيقظته عوابطه(٢)، فلم يُرْحَمْ لتقصيره من اجتياحه، ولا عُصِم لنومه وغفلته عن أتراحه، بل أصيب من العذاب بمصائبَ أنسته المصائب، وأُمَّ بأَمائمَ(٣) تبتلع العصائب، فأولى له أولى له؛ ما كان أدهى حاله(٤)
  إيهًا هُوَ الْمَوْتُ، فَشَمِّرْ شَمِّرْ ... وَلَا تَكُنْ لِوَارِثٍ تُثَمِّرْ
  وَإنْ غَدَوْتَ خائِفاً فَبَكِّرْ ... وَإنْ ذَكَرْتَ رَائِعاً فَذكِّرْ
  وَاهْرُبْ مِنَ الْكُفْرِ وَكَفِّرْ كَفِّرْ ... وَاسْتَغْفِرِ الرَّبَّ الْكَرِيمَ يَغْفِرْ
  قال الشاعر(٥):
(١) الفَوَارِطُ: هي السَّوابِقُ، كما مَرَّ في الحديث الثالث عشر، ولعلها هنا تحتمل عدة معان، إمَّا من التَّفْرِيطِ الذي هو التَّقْصِير والتّهاوُن، وإمَّا من الفَرَطِ الذي بمعنى السَّبْق وَالتَّقَدُّم وَمُجَاوَزَة الْحَدِّ، ولأمير المؤمنين علي #: لَا يُرى الْجاهِلُ إِلَّا مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً، ا. هـ. (انظر لسان العرب: ٧/ ٣٦٨).
(٢) عَوابِطُ: جَمْعُ عَوْبَطٍ وهو الدَّاهِيةُ، وكذلك عَوْطَبٌ. (انظر لسان العرب: ٧/ ٣٤٩).
(٣) أُمَّ: أُصِيبَ في أُمِّ رَأْسِهِ، قال في القاموس المحيط (١٠٧٧): أمَّهُ أَمّاً، فهو أمِيمٌ ومَأْمُومٌ: أصابَ أُمَّ رَأْسِهِ. وشَجَّةٌ آمَّةٌ وَمَأْمُومَةٌ: بَلَغَتْ أُمَّ الرأسِ. [والْأَمَائِمُ جَمْعُ أُمَيْمَةَ] والأُمَيْمَةُ، كجهينةَ: الْحِجارَةُ تُشْدَخُ بها الرُّؤُوسُ. ا. هـ. والعَصَائِبُ: الْعَمائِمُ.
(٤) الأبيات هي للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة #، وردت في ديوانه #.
(٥) هو أبو يعقوب الخُرَيْمي (ت ٢١٢ هـ) إسحاق بن حسان بن قوهي، شاعر مطبوع، وصفه أبو حاتِم السِّجِسْتَاني بأشعر المولدين. خراساني الأصل من أبناء الصغد. ولد في الجزيرة الفراتية، وسكن بغداد، وعمي قبل وفاته. (الأعلام للزركلي: ١/ ٢٩٤).