حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأربعون

صفحة 396 - الجزء 1

  لَمَّا رَآنِي وَالْهَوَى غَالِبِي ... أجْمَعُ الْمَالَ لِأخْتَانِي

  لِامْرَأَةِ ابْني وَلِزَوْجِ ابْنَتِي ... يا لَكَ مِنْ غَبْنٍ وَخُسْران

  وداء هذا الشاعر - الذي هو الهوى المؤدي إلى جمع الدنيا للغير - عامٌّ في الناس إلا من رحم الله سبحانه، وهو القليل، فالله المستعان.

  قال الراوي: فَقَالَ النَّبِيُّ ÷: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ يَرَوْنَ مَكَانَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، لَذَهِلُوا عَنْ مَيِّتِهِمْ وَلَبَكَوا عَلَى نُفُوسِهِمْ.

  كانت لرسول الله ÷ يمينان هذه إحداهما: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» والأخرى: «أَمَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» ولعلي # يمينان إحداهما: (وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طالِبٍ بِيَدِهِ) والأخرى: (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ).

  والرؤية هي إدراك المرئي، وقد تستعمل في العلم كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦}⁣[الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ١}⁣[الفيل] يريد سبحانه ألم تعلم؛ لأنَّ رسول الله ÷ لم يشاهد ذلك. مَكَانهُ هاهنا حاله، وذلك راجع إلى الملَك، يقال: مكان فلان رفيع، أي حاله؛ لأن مكانه الذي هو موضعه مشاهَدٌ لهم. والسماع هو إدراك ما يصحُّ أن يُدرَك بحاسة السمع من الأصوات، فإذا كان كلاماً فهو المرتب المنظوم. والذُّهُولُ عن الشيء نسيانه، وقد قال تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}⁣[الحج: ٢] وأضاف الميت إليهم لأنه منهم. قد تقدم معنى البكاء. وأنفسُهم ذواتُهم وشخوصُهم.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أقسم وهو صادق القسم بالذي نفسُه بيده أي بقدرته وهو الله سبحانه؛ لأنَّ نفوسَنا في قدرته كالمقبوض عليها، يرسل ما شاء ويمسك ما شاء، لو يرون مكانه يريد # الملَكَ لو شاهدوا حاله التي هو عليها من عِظَمِ خَلْقه وهَوْلِ مَنْظرِه وعجيب تركيبه، ثم سمعوا كلامه الذي تقدم ذكره لذَهلوا عن ميِّتهم فزعاً، وبكوا على أنفسهم جزعاً، ولَشَغَلَهم عِظَمُ الحال عن البكاء على المال والآل؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا يستعظم الحوادث ويتوجَّع لها، فإذا انتهت الحوادث إلى خاصة نفسه صَغُرَتْ عنده الأمور الكبار، ولم يقرَّ به قرار، ولهذا تنهزم الملوك خوفاً على