الحديث الأول
  فمعنى الحديث الحَضُّ على مجالسة أهل المعرفة بأصول الشريعة، وأهل المعرفة بمعاني كتاب الله سبحانه، وهؤلاء هم الناس على الحقيقة، إذ بمخالطتهم تقع النجاة، وتُمحى السيئات، وترفع الدرجات، وفي ذلك ما قال أمير المؤمنين # لكميل بن زياد: (النَّاسُ ثَلَاثَةٌ؛ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةٍ، وهَمَجٌ رَعَاعٌ ... لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ ....) في حديث طويل(١). والهمج في أصل اللغة هو البعوض. والرَّعاع الذي لا ثبات له، وتلك حال الجهال، وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى صفوان بن عسَّال(٢) - العين غير معجمة - عن النبي ÷ قال: «مَا غَدَا رَجُلٌ يَلْتَمِسُ عِلْماً إلَّا فَرَشَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًى بِمَا يَعْمَلُ» وروينا بمثل ذلك الإسناد عن أبي جحيفة(٣) أنه قال: قال رسول الله ÷: «جَالِسُوا الْعُلَمَاءَ وَسَائِلُوا الْعُلَمَاءَ وَخَالِطُوا الْحُكَمَاءَ».
(١) أورده الإمام بتمامه خلال شرحه للحديث الرابع عشر.
(٢) صفوان بن عَسّال (بمهملتين أخراهما مشددة، ثم ألف، ولام) المرادي الجملي (بفتح الجيم والميم)، غزا مع النبي ÷ اثنتي عشرة غزوة. روى عنه: ابن مسعود مع جلالته، وزر بن حبيش، أخرج له: المؤيد بالله، وأبو طالب، والترمذي، وابن ماجه، ا. هـ. (لوامع الأنوار للإمام الحجّة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # - ط ٣ - ج ٣/ ١٥١).
(٣) أبو جحيفة؛ وهب بن عبد الله السوائي، كان من صغار الصحابة، قيل إن رسول الله ÷ توفي وأبو جحيفة لم يبلغ الحلم، ولكنه سمع من رسول الله ÷ وروى عَنْهُ، قَالَ: رأيت رَسُول اللَّهِ ÷، ورأيت هذه منه، وهي بيضاء - وأشار إلى عنفقته - فقيل له: مثل من كنت يومئذ؟ قَالَ: أبري النبل وأريشها ... ، وجعله عليّ بن أبي طالب # على بيت المال بالكوفة، وشهد معه مشاهده كلها، وَكَانَ يحبه ويثق إليه، ويسميه وهب الخير، ووهب الله أيضا، وكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة، توفي سنة ٧٤ هـ وقيل تأخر إلى بعد الثمانين. وفي أبي جحيفة حديث في صحيفة علي بن موسى الرضى: «أتى أبو جحيفة إلى النبي ÷ فتجشأ، فقال رسول الله ÷ أكفف جشاك يا أبا جحيفة، فإن أكثر الناس شَبَعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة» قال ابنه عون بن أبي جحيفة: (فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ وَمَلأَ بَطْنَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، كَانَ إِذَا تَعَشَّى لا يَتَغَدَّى، وَإِذَا تَغَدَّى لا يَتَعَشَّى). انتهى. (انظر تخريج الشافي لحافظ العترة الحسن بن الحسين الحوثي ¦، الشافي ط ٢ ج ٣/ ٥٨٨)، و (الاستيعاب ٤/ ١٦٢٠)، و (أسد الغابة ٦/ ٤٧).