حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأول

صفحة 46 - الجزء 1

  قوله #: وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ.

  يريد لم تضق به فيتجاوزها إلى غيرها؛ إذْ لا غير لها إلا البدعة. والسنة ما داوم عليه النبي ÷ فِعْلاً أو تركاً، وهي تشمل الفرض والنفل، وهي مأخوذة من سَنَنِ الطريق أي نهجها الذي يغوى من تنكبه، ولا يَضِلُّ من ركبه، وللدين طريق كما للمسجد والسوق، فالواجب على العاقل أن يتعرّف طريقَ الدين لينجوَ من الضلال مع الناجين.

  قوله #: وَلَمْ تَسْتَهْوِهِ الْبِدْعَةُ.

  الاستهواء هو الاستخفاف، وسُمّي الهواءُ هواءً لخفته، وهو الجسم الرقيق المنشور بين السماء والأرض، وقد يقال له: النَّفْنَفُ، ولمكانه بين السماء والأرض: اللُّوح بضم اللام، وهو مادة الحيوان البري، ومن ذلك سميت المحبة هواء لخفة المحبوب على القلب، وقد قال تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ٤٣}⁣[إبراهيم] فكأنَّ معناه والله أعلم فارغة من الحق الثقيل، خفيفة في ميزان العدل وميدان الحرب لا ثبات لها، إذ لا ثبات بغير ثِقَل.

  والبدعة مأخوذة من البِدْع وهو الإحداث، فقضى هذا التأويل أنَّ جميع المحدثات في الدين بِدَعٌ، إلا ما رجع إلى أصل متقرر، وقد روينا عن أمير المؤمنين # وقد سأله ابن الكواء وهو يخطب على المنبر عن السنة والبدعة والجماعة والفُرقة، فقال #: (السنة - واللهِ - ما جاء به محمد ÷، والبدعة - والله - ما خالفها، والجماعةُ - والله - أهل الحق وإن قَلُّوا، والفُرْقة - واللهِ - أهل الباطل وإن كثروا).

  وإذا كان هذا حال البدعة وجب الاحتراز منها، ولا يصح الاحتراز منها إلا بعد معرفتها، وقد قدمنا معناها، فنسأل الله تعالى ملازمة السنة ومخالفة البدعة، والصلاة على محمد وآله.