[الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر]
[الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر]
  قوله #: وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ تُخْصَبُوا.
  الأمر هو قول القائل لغيره افعل أو ليفعل على جهة الاستعلاء دون الخضوع وهو مريد لوقوع المأمور به، وقد حده غيرنا من أهل العلم بغير ذلك، والصحيح عندنا ما ذكرنا، وأصل المعروف من المعرفة، والمنكر من النكرة، فلما كانت العقول تَعرِفُ الحسن ويستقر حسنه فيها على معنى أنها تقبله، وقد قال علي # وهو أحد ألْسنة العرب في رسالته إلى الزبير |: (عَرَفْتَ ابْنَ خَالِكَ بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَهُ بِالْعِرَاقِ) فمن لم يقبل المعروف ويفعله فهو لا يعرفه، ومن لم يَرُدَّ المنكر ويتركه فهو لا ينكره، وإذا كان للحسن صفة زائدة على حسنه كانت معرفته آكد، وقبوله أسرع، وقد كان قائلهم إذا قال ما لا يريدون ولا يقبلون قالوا: ما نعرف ما تقول، وإذا قال قولا لم يقبله غيره قال: أنكرتَ قولي، ثم صار في عرف الشريعة زادها الله شرفاً المعروف يفيد الطاعات، والمنكر يفيد المعاصي، وله شَبَهٌ بما تقدم.
  والمعروف ينقسم إلى قسمين: واجب ومندوب، فترك الواجب محظور، وترك المندوب مكروه، وله شروط موجودة في كتب الكلام، وقد أودعنا شرح الرسالة الناصحة ما فيه كفاية بحمد الله تعالى.
  والخِصْبُ نقيض الْجَدْب، وهو تدارك الأمطار، وكثرة الثمار والأشجار، وأصل الخِصْبِ عندهم كثرة الخير، والخير ما تختاره النفوس وتميل إليه، وقد قالوا في وجه الكريم أنه خصيب؛ تشبيهاً بالأرض التي صفتها ما قدمنا.
  وَمَعْنَى ذَلكَ: أنه ÷ عَلِمَ من قِبَلِ الله تعالى أنَّ الناس إذا أمروا بالمعروف وفعلوه تعلقت المصلحة في تكليفهم بإخصاب أرضهم، ولا شك في حسن الأمر بالمعروف، بل وجوبِه إذا تكاملت شروطه وإن لم يتعجل فيه نفع، فإذا كان في مقابلته خِصْبُ البلاد وشمولُ الخير لكافَّة العباد كان ذلك أبلغَ لانضياف خيرٍ إلى خيرٍ، وهو الموعود القريب لكونه آتياً لا محالة على ما يختص به من الدوام والعظم والخلوص من كل شائبةٍ، فمن ضيَّع ما هذا حاله فهو عندنا