حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر]

صفحة 69 - الجزء 1

  المغبون الْمَحْرُوبُ⁣(⁣١)، فإنْ تعلق بالإخلال به وَعِيدٌ ممن لا يجوز عليه إخلاف الوعيد كان المخلُّ به عندنا مخذولاً مغلولاً مثبوراً محسوراً، فنسأل الله تعالى العون على تأدية كلِّ واجبٍ، وترك كل قبيحٍ، وصلى الله على محمد وآله.

  قوله #: وَانْهَوا عَنِ الْمُنْكَرِ تُنْصَرُوا.

  قد تقدم الكلام في معنى المنكر. والنصر هو الإغاثة والإعانة في أصل اللسان العربي، لا فرق عندهم بين قولك نصرته وأعنته.

  والنصر يكون من قِبل الله تعالى لأوليائه على أحد وجهين: إما بأنْ يُظْهِرَهم على الأعداء بتقوية قلوبهم وتضعيف قلوب عدوِّهم؛ فيسفكوا دماءهم ويتحكموا في أموالهم وأولادهم بحكمهم، فهذا نصرٌ مُعجَّلٌ، وإمَّا بأن يخلي بينهم وبينهم في العاجل، فيصل إلى أوليائه من الضَّررِ ما ينقطع لا محالة، أعظمه القتل، فهو ألم بعض ساعة، وفي مقابلته من الثواب ما لو خُير جميع العقلاء بين تحمل تلك المشقة ووصول ذلك الضرر ونيل ذلك الثواب أو الظهور على العدوِّ وَفقْدِ ذلك الثواب؛ لاختار جميعُ العقلاء ذلك بلا طائل نظرٍ.

  وفي الحديث: «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ يَتَمنَّى الرُّجُوعَ إِلى الدُّنْيَا إِلَّا الشَّهِيدَ؛ فَإِنَّهُ يَتَمنَّى الرُّجُوعَ إِلى الدُّنْيَا لِيُقْتَلَ فِي الله مَرَّةً أُخْرَى لِعِظَمِ مَا يَرَى مِنَ الثَّوَابِ الْأَوْفَى» وقد روي عن النبي ÷ أنه حكى عن عبد الله بن عمرو بن حرام⁣(⁣٢) - وهو أب


(١) الْمَحْرُوبُ: الْمَسْلُوبُ، قال في القاموس ص ٧٣: حَرَبَهُ حَرَباً، كَطَلَبَهُ طَلَباً: سَلَبَ مالَهُ، فَهْوَ مَحْرُوبٌ وحَرِيبٌ.

(٢) عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بْن كَعْب بْن سَلَمَة الأَنْصَارِيّ، يكنى أَبَا جابر ... كان نقيباً، وشهد العقبة ثُمَّ بدراً، وقتل يوم أحد شهيداً، ... ودفن هُوَ وَعَمْرو بْن الجموح فِي قبر واحد،. (الاستيعاب ٣/ ٩٥٤).

قال الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي #: جابر بن عبدالله الأنصاري، الخزرجي؛ غزا مع النبي ÷ بضع عشرة غزوة. قلت [أي الإمام مجد الدين #]: وفي الاستيعاب: أنه شهد صفين مع أمير المؤمنين # واستشهد والده بأُحُد - رضوان الله عليهما، وكان جابر من سادات الصحابة وفضلائهم، وأهل الولاء الخالص لأمير المؤمنين وأهل بيته $. توفي بالمدينة، سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن أربع وتسعين؛ وهو آخر الصحابة موتاً بها. خرج له: أئمتنا الخمسة، وجماعة العامة.

=