حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[العلم وحقيقة العالم، وما ورد في فضل العلماء]

صفحة 86 - الجزء 1

  مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ١٥٩ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}⁣[البقرة] فدلَّ على عِظَم المعصية في كتمان العلم، وقد روينا عن النبي ÷ أنه قال: «مَنْ كَتَمَ عِلْماً مِمَّا يَنْفَعُ اللهُ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ».

  وأهلُهُ طُلَّابُه الراغبون في قُوَّة الدين وصلاح الإسلام، فأمَّا من كان يُعْلَمُ من حاله أنَّه يريد بعلمه الدنيا وزينتَهَا والاستظهارَ على أولياء الله بحججه فلا بأس في منعه، بل ربما يجب ذلك، وعليه يحمل قولُه ÷: «لَا تُعْطُوا الْحِكْمَةَ غَيْرَ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ» وأهل العلم هم صفوة الله من خلقه وسادتهم آل محمد $، بذلك تظاهرت الآثارُ عن النبي ÷، من ذلك ما روينا عن النبي ÷ أنه قال: «قَدِّمُوهُمْ وَلَا تَقَدَّمُوهُمْ، وَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ، وَلَا تُخَالِفُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلَا تَشْتُمُوهُمْ فَتَكْفُرُوا» وأمثال هذا كثير.

  وفي عموم فضل العلماء جملةً⁣(⁣١) ما روينا بالإسناد الموثوق به إلى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله ÷ أنه لما تلا هذه الآية: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ٤٣}⁣[العنكبوت] قال: «الْعَالِمُ الَّذِي عَقَلَ عَنِ اللهِ ø فَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، وَاجْتَنَبَ سَخَطَهُ» وهي مرتبة عظيمة للعلماء حيث أحال الله تعالى بمعرفة معاني أمثاله - وهو علام الغيوب - على العلماء، وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى ابن عمر قال: قال رسول الله ÷: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وُضِعَتْ مَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ عَلَيْهَا قِبَابٌ مِنْ فِضَّةٍ مُرَصَّعَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ جِلَالُهَا السُّنْدُسُ والْاسْتَبْرَقُ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالْعُلَمَاءِ فَيَجْلِسُونَ فِيهَا، ثُمَّ يُنَادِي الرَّحْمَنُ ø: أَيْنَ مَنْ حَمَلَ إِلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عِلْماً أَتَى بِهِ يُرِيدُ وَجْهَ اللهِ؟! اجْلِسُوا فِي هَذِهِ الْمَنَابِرِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ» فهذا في معنى العالم الناطق بعلمه.

  والمستمعُ الواعي هو المتعلِّمُ الذي يحفظ ما يسمع، لينتفع به وينفع، وهذا لَاحِقٌ بالعالم، وهو


(١) لفظة: جملة، زيادة في (أ) وفي نسخة أخرى.