[العلم وحقيقة العالم، وما ورد في فضل العلماء]
  شريك له في الأجر، وفي ذلك ما روينا عن النبي ÷ أنه قال: «الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ، إلَّا أَنَّ لِلْعَالِمِ أَجْرَيْنِ وَلِلْمُتَعَلِّمِ أَجْراً» فَكُنْ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً وَإيَّاكَ أنْ تَكُونَ لَاهِياً مُتَلَذِّذاً.
  قوله #: أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّكُمْ فِي زَمَانِ هُدْنَةٍ.
  لا فرق بين الزمان والدهر والعصر، والمراد بذلك مدة بقاء التكليف على الكافة، وهو يتناول الكل إلا ما خصه الدليل. والهدنة هو الوقت الذي لا يكون فيه داع إلى الله تعالى ظاهرٌ، وهدنة الحرب من ذلك، وهي المسالمة ورفع السيف، ومنه قيل في الرجل هِدَانٌ للذي لا يُحْلِي ولا يُمِرُّ.
  يقول # فاشتانوا شأن أنفسكم، وأعدوا اليقين وحسن النظر في معاني كتاب الله تعالى على ما يأتي بيانه، يقول # يوشك أن تقعوا في زمان هدنة، ليس فيها للأمة راع، ولا لها إلى الله داع، ولا منبه على الخير ظاهر اليد واللسان.
  قوله #: وَإِنَّ السَّيْرَ بِكُمْ سَرِيعٌ.
  السير معروف، والسرعة قد تقدم معناها.
  وَمَعْنَى ذَلكَ: أن المرء يُسارُ به إلى ربه؛ وإن كان واقفاً في بيته نائماً على فراشه، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون، وقد قال بعض المتفكرين(١) في هذا الشأن:
(١) هو التهامي الشَّاعِر، عَليّ بن مُحَمَّد بن فَهد أَبُو الْحسن وَهُوَ من الشُّعَرَاء الْمُحْسِنِينَ المجيدين، مولده ومنشؤه بِالْيمن، وطرأ على الشَّام، وسافر مِنْهَا إِلَى الْعرَاق وإلى الْجَبَل، وَلَقي الصاحب بن عبَّاد وَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَانْتَحَلَ مَذْهَب الاعتزال، وتقلَّد الخطابة بالرّملة وتزوَّج بهَا، وَكَانَت نَفسه تحدّثه بمعالي الْأُمُور، وَكَانَ يكتم نَسَبَه فَيَقُول تَارَة إنَّه من الطالبيِّين، وَتارَة من بني أميَّة، وَلَا يتظاهر بشيءٍ من الأَمرين، وَكَانَ متورِّعاً صَلِفَ النَّفس متقشِّفاً يطْلب الشَّيْء من وَجهه، وَلَا يُريدهُ إلاَّ من حِلِّه، نسخ شعر البحتري فَلَمَّا بلغ أبياتاً فِيهَا هجوٌ امْتنع من كتبهَا، وَقَالَ: لَا أُسطِّر بخطِّي مثالبَ النَّاس، وَكَانَ قد وصل إِلَى الديار المصرية مستخفياً وَمَعَهُ كتبٌ كَثِيرَة ... فاعتُقل بِالْقَاهِرَةِ وقُتل سرًّا سنة ٤١٦ هـ، وهو صاحب القصيدة التي مطلعها:
حُكْمُ الْمَنِيَّة في البريَّة جارِي ... ما هذه الدّنيا بدارِ قَرارِ
بَيْنَا يُرَى الإِنْسَانُ فِيهَا مُخْبِراً ... حَتَّى يُرَى خَبَراً مِنَ الأَخْبَار
وهي طويلة عدد أبياتها نيف وثمانون بيتاً، في ترثية ولد له توفي صغيراً. (انظر تاريخ دمشق ٤٣/ ٢٢٠، ووفيات الأعيان ٣/ ٣٧٨، والوافي بالوفيات ٢٢/ ٧٤).