حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[العلم وحقيقة العالم، وما ورد في فضل العلماء]

صفحة 88 - الجزء 1

  وَنَحْنُ عَلَى الدُّنْيَا كَرَكْبِ سَفِينَةٍ ... نَظُنُّ وُقُوفاً وَهْيَ مِنْ تَحْتِنَا تَجْرِي

  فأحْسَنَ فيما قال.

  قوله #: وَقَدْ رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.

  الليل في أصل اللغة من غروب الشمس إلى طلوعها، والنهار من طلوعها إلى غروبها، والليلُ في عرف الشريعة المعظمة زادها الله تعالى شرفاً من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقد ذكر دليل ذلك سبحانه في سورة القدر، والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وتتعلق بذلك أحكام ليس هذا موضع ذكرها.

  قوله #: كَيْفَ يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ.

  والبِلَى نقيض الْجِدَّةِ، ومعناه تخريب البِنْية وتغيير الصورة، و (كُلّ) من ألفاظ العموم، وما به جديدٌ إلَّا والأيامُ تُبلِيه، والليالي تفنيه، وفي هذا لطفٌ عظيمٌ لمن تفكر فيه، فإنَّ العاقل إذا فكر في صيرورة أمره وما ينتهي إليه حاله زَهِدَ في هذه الدنيا ولم يَغْترَّ بغرورها لأنه يعلم أنه ربما صار بعد الصورة الحسنة والهيئة الرائعة تراباً يطأه من كان يأنف أنْ يمسه من الهوام والأنعام وضعفة الأنام، وربما صار مَرْتعاً للسباع ومسرحاً للأنعام، وربما بُني بجسده المكرم عنده حَشٌّ⁣(⁣١) أو مِرْحاض بعد أن كان مُبْرِماً نقَّاضاً، بسَّاطاً قبَّاضاً، فكيف يفتتن ذو عقل سديد أو يغتر بجدته ومصيرُها إلى ما قدمنا، وقد قال الشاعر⁣(⁣٢) في مثل ذلك:


(١) الْحَشُّ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا الْبُسْتَانُ وَهُوَ أَيْضًا الْمَخْرَجُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ، (مختار الصحاح: ٧٣) والْمِرْحَاضُ: الْمُغْتَسَلُ.

(٢) البيت هو لأبي العلاء المعري، وقد أخذ معناه من كلام أمير المؤمنين علي # في قوله: «تَطَأُونَ فِي هَامِهِمْ، وَتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا، ... الخ» من كلام له بعد تلاوة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ١}.

والبيت من مرثيته المشهورة التي مطلعها:

غيرُ مُجْدٍ في مِلَّتي واعْتِقادِي ... نَوْحُ باكٍ وَلَا تَرَنُّمُ شَادي

ومنها:

سِرْ إنِ اسْطَعْتَ فِي الهَواءِ رُوَيداً ... لَا اختيالاً عَلَى رُفَاتِ الْعِبادِ

رُبَّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مِرَاراً ... ضَاحِكٍ مِنْ تَزاحُمِ الأضْداد

وهو أَبُو العَلاء المَعَرِّي (٣٦٣ - ٤٤٩ هـ) أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخيّ المعري: شاعر فيلسوف. ولد =