حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[القرآن]

صفحة 91 - الجزء 1

  «لَا تُحْصَى عَجَائِبُهُ، وَلَا تَبْلَى غَرَائِبُهُ، فِيهِ مَصَابِيحُ الْهُدَى، وَمَنارَاتُ الْحِكْمَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ لِمَنْ عَرَفَ الطَّرِيقَةَ، فَلْيُولِجْ رَجُلٌ بَصَرَهُ، وَلْيُبْلِغِ الطَّرِيقَةَ نَظَرَهُ، يَنْجُ مِنْ عَطَبٍ، وَيَتَخَلَّصْ مِنْ أَشَبٍ⁣(⁣١)، فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ، كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ، بِحُسْنِ تَخَلُّصٍ، وَقِلَّةِ تَرَبُّصٍ».

  وفي مثل هذا ومعناه آثارٌ كثيرةٌ، وهو دليل واضح على ما ذكرناه من معنى الهدنة؛ لأنَّ السلطان يزع⁣(⁣٢) ما لا يزع القرآن، بذلك ورد الأثر، وقد روينا عن ابن شبرمة⁣(⁣٣) قال: دخلنا على أبي مسلم⁣(⁣٤) وهو يقرأ في المصحف، وبين يديه سيفٌ مسلولٌ، فقلنا: ما هذا؟! فقال: ليس إلا هذا أو هذا.

  قوله #: فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ.

  الشافع هو سائل الخير لغيره إما بدفع ضرر، أو بزيادة نفعٍ. والمشفَّعُ الذي لا تُرَدُّ شفاعتُه، وأنزله ÷ منزلةَ الشافع لأنَّ الثواب الجزيل يُنالُ به، فكأنَّه في الحكم أُخِذَ بشفاعته وسؤالِه، وقد روينا بالإسناد إلى جابر بن عبد الله قال: قال ÷: «يُقالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ⁣(⁣٥) وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فإنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيةٍ تَقْرَأُهَا» وهذا من أعلى ما يُنال بالشفاعة، فلذلك سُمِّيَ القرآنُ شافعاً، وفي الحديث:


(١) الأَشَبُ: الاختلاط المعْضِل، تمت، هامش (أ). وقال في لسان العرب (١/ ٢١٤): الأَشَبُ شِدَّةُ التِفافِ الشجَرِ وكَثْرَتُه حَتَّى لَا مَجازَ فِيهِ، ا. هـ.

(٢) يَزَعُ: يَكُفُّ وَيَمْنَعُ، قال في النهاية: وَزَعَهُ يَزَعُهُ وَزْعاً فَهُوَ وَازِعٌ، إِذَا كَفَّه ومَنَعَه، ا. هـ (النهاية ٥/ ١٨٠).

(٣) عبد الله بنُ شُبْرُمَةَ بنِ الطُّفَيلِ، الضَّبِّي، محدثٌ فقيهٌ من مشاهير التابعين، أقام بالكوفة، وذكر السيد أبو العباس الحسني في المصابيح أنه ممن بايع الإمام زيد #، توفي سنة ١٤٤ هـ، ا. هـ.

(٤) أبو مسلم الخراساني هو: عبد الرحمن بن مسلم، في نسبه خلاف كبير، فقال بعضهم: هو من أصبهان، وقال بعضهم: من خراسان، وقيل: من العرب، وادعى هو: أنه ابن سليط بن علي بن عبدالله بن عباس، ولد سنة (١٠٠ هـ) ونشأ عند إدريس بن عيسى [العجلي]، وهو مؤسس الدولة العباسية، خرج بعد مقتل الإمام يحيى بن زيد # زاعماً أنه آخذ بثأر أهل البيت (ع)، ثم وضع الملك في العباسية، وسلَّط الله عليه الملك الثاني أبا جعفر الدوانيقي فقتله بـ (رومية المدائن) سنة (١٣٧ هـ) ا. هـ.

(٥) في نسخة أخرى: اقْرَأْ وَارْقَ.