[القرآن]
  «إنَّ أهْلَ الْقُرْآنِ أهْلُ الله» المراد بذلك الْمُتَّبعون له العاملون به، وروينا عن النبي ÷ أنَّ أهل القرآن يوم القيامة على كثبانٍ من مسك، لا يفزعون ولا يهتالون.
  قوله #: وَشَاهِدٌ مُصَدَّقٌ.
  الشهادة في أصل اللُّغة هي الحضورُ، وأُخِذَ الشاهِدُ من ذلك؛ لأنَّه لا يشهد إلَّا بما يحضر عنده، أو يكون في حكم الحاضر، فجعل # القرآنَ في حكم الشاهد لحامله بأنه عمِلَ به إنْ كان عمِلَ به؛ فيستحق ما وجب، كما يُسْتَحق الحق عند الشهادة، وكلُّ ذلك على وجه المثل.
  وتصديق الشاهد يقع بأحد وجهين: إما بالتعديل، وإما بتصديق الخصم، وبكلِّ واحدٍ من الأمرين تَثْبُتُ شهادتُه، وهذه حال القرآن شرَّف الله قدرَه مع من قام بلوازمه، وانقاد لأوامره، ووقف عند متشابهه، وعمل بمحكمه، وتفكر في أمثاله، وقام بما يجب من إجلاله، فهذا الذي يشهد له القرآن بين يدي ربه بأنه قد قام به حق القيام، وتأدية ما عليه لذي الجلال والإكرام، من الحق فيه، والحق به، والحق له.
  قوله #: مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ.
  الجعل يكون بمعنى الخلق، وبمعنى الترك، وبمعنى الحكم، وبمعنى الإلقاء، والمراد به هاهنا الإلقاءُ والتركُ. وأمام نقيض خلف، وظهوره يغني عن استشهادٍ.
  ومعنى جَعْلِهِ لَهُ أمَامَه: أن يقتدي بأوامره فيفعلها، وبنواهيه فيحذرها، ويَرُدَّ متشابهَهُ إلى محكمه، ويُؤْمِنَ بمنسوخه، ويعملَ بناسخه، ويتدبرَ أمثاله، ويتفهَّمَ إشكاله، ويستعينَ في معرفة غرائبه وفهم عجائبه بسؤال تراجمته وأربابه، وورثته وأصحابه، عِتْرةِ محمد صلى الله عليه وعليهم المستحفَظِين، رُعاةِ سَرْحِه، وحُماةِ سِرْبِه(١)، الذين قرنه بهم، وقرنهم به، وذلك لما روينا بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين # أنه قال: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ اعْلَمُوا أنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْأَنْبِياءِ مِنْ قَبْلِكُمْ فِي عِتْرَةِ نَبِيِّكُمْ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ عَنْ أَمْرٍ تُنُوسِخَ مِنْ أَصْلَابِ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ، هَؤُلَاءِ مِثْلُهَا فِيكُمْ، وَهُمْ كَالْكَهْفِ لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَهُمْ بَابُ السِّلْمِ، فَادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، وَهُمْ بَابُ حِطَّةَ، مَنْ دَخَلَهُ غُفِرَ لَهُ، خُذُوا عَنِّي عَنْ خَاتَمِ
(١) السَّرْحُ: الْمَالُ السَّائِمُ. (لسان العرب ٢/ ٤٧٨). والسِّرْبُ هاهنا هو مَا للرَّجُل مِنْ أَهلٍ ومالٍ، وقد مرت.