نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

مقدمة السيد الشريف الرضي

صفحة 34 - الجزء 1

  وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا وفصلته فصولا، فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه #، من الكلام القصير، في المواعظ والحكم والأمثال والآداب، دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة، فاستحسن جماعة من الأصدقاء، ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره، معجبين ببدائعه ومتعجبين من نواصعه، وسألوني عند ذلك أن أبتدئ بتأليف كتاب، يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين #، في جميع فنونه ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وأدب، علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا مجموع الأطراف في كتاب، إذ كان أمير المؤمنين # مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه # ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه # الكلام، الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي فأجبتهم إلى الابتداء بذلك، عالما بما فيه من عظيم النفع، ومنشور الذكر ومذخور الأجر، واعتمدت به أن أبين عن عظيم قدر أمير المؤمنين #، في هذه الفضيلة، مضافة إلى المحاسن الدثرة والفضائل الجمة، وأنه # انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين، الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر، والشاذ الشارد، فأما كلامه فهو البحر الذي لا يساجل، والجم الذي لا يحافل.