[قوله #: ليسبقن سابقون كانوا قصروا ... إلخ]
  ويكدح في نهاره، يلتقط الحسنات التقاط الطير الجائع للحب، يزاحم العلماء ويجالس الحكماء، ويستوحش من أهل الدنيا، يسعى على نفسه وأهله لطلب الكفاف من الرزق ليتقوى بذلك على طاعة الله يذكر ماضيه فلا تجف له دمعه، حتى اجترح قلبه من الحزن يعظم أصحاب التقوى والدين، ويري نفسه عندهم صغيراً بيقين، وعند ذلك نزلت عليه رحمة الله، وزاده الله سبحانه وتعالى هدى إلى هداه، وآتاه تقواه، وفتح الله له باباً إلى نعمه ينظر إليها، من عافية ورزق وأمان، وستر وهداية، وتوفيق، وغيرها مما لا يعد ولا يحصى، وفي كل يوم يبدو له جديد من نعم الله، وعند ذلك شمر وجد واجتهد حتى سبق وأدرك مقامات الصالحين، ووصل إلى ميادين السابقين، والحمد لله رب العالمين.
  وآخر كان سابقاً في ميادين السابقين، كان يزاحم العلماء، ويجالس الحكماء، وله عبادة يعجز الراسخون عن وصفها، ومعيشة في زهد قل من يتصف بها، وإذا بفتنة قد عمت فأعمت تعمي إذا أقبلت وتتضح إذا أدبرت، إلا على من هم كالملح في الطعام وعند ذلك تغيرت نظرته بعدما أخذت الفتنة مأخذها في قلبه وتقلبت عنده الحقائق، فمن كان قدوة عنده يقتدي به صغر في عينه أو كاد أن يصغر، والتبست عليه الأمور في حق وباطل، ومحق ومبطل، فصاحب يقول