جواهر من كنوز الوصي،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

[قوله #: الزهادة قصر الأمل ... إلخ]

صفحة 56 - الجزء 1

  جوهره، وخلصت الله أعماله ونواياه.

  فمن كان بهذه الصفات فإنهم يرون أجسادهم وقد خرجت منها أرواحهم، ثم يعجل بهم إلى حفر مظلمة، كل الأحياء يرونها موحشة؛ لأنهم رأوا ذلك بأعينهم فيمن تقدمهم فكرهت نفوسهم ملاذ الدنيا وأطماعها فزادهم الله هدى إلى هداهم وآتاهم تقواهم، وقد وصفهم أمير المؤمنين بقوله #: «حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما يسمع الناس، يهتفون بالزواجر في أسماع الغافلين، يرون أهل الدنيا مذبوحين بسكاكين الأطماع، وهم أحياء قد حالفت قلوبهم الهموم.

  ثم ينظرون بأبصار قلوبهم إلى الآخرة وإذا يشاهدون بهم من يقرأون في صحائفهم قول الله سبحانه وتعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}⁣[الكهف]، فلما عقلوا عن الله أمره صاروا في دنياهم زاهدين، وفي آخرتهم راغبين ومسارعين، فأحرزوا مكاسب الأبرار ومراتب الأخيار، وكل ذلك حصل بعد الجهاد الأكبر لأنفسهم، وقمع شهواتهم، بذكر الموت وما بعده من وحشة القبور، وطول الغربة، وفراق الأحبة، ثم البعث والنشور، والحساب ونشر كل مستور، وبعدها فريق في الجنة، وفريق في