[قوله #: أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا]
  زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدباراً، ولا الشر فيه إلا إقبالاً) أراد # بالخير هنا ما ترتاح له قلوب المؤمنين من الدين القويم والإقبال على طاعة أرحم الراحمين، ولقد كان ذلك في بداية الإسلام من بعدما هاجر رسول الله ÷ إلى المدينة إلى أن قبض وفاضت روحه ÷، فلما مات تغيرت وتنكرت المعالم حتى أصبح الصديق عدواً والقريب بعيداً، وصار الأمر كما قال #: (لا يزداد الخير إلا بعداً وإدباراً، ولا الشر في ذلك الزمان إلا إقبالاً) وفي كل أوان يبين النقص في الخيرة كما يبين النقص في دراهم الفقير المعدودة، فلا كبيرهم يرعى ما وعى سمعه من رسول الله ÷، ولا صغيرهم يصيب رشده إلا من هم كالملح في الطعام، وقد أشار إليهم # بقوله: (هم الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله قدراً).
  وما عشت أراك الدهر عجبا، ولقد رأى من أمرهم العجب وذلك حين أبوا وأصروا على آراءهم، فصيروا المتبوع تابعاً، والتابع متبوعاً، وتَزَخْرَف الباطل بذكاء صُنَّاعِه حتى صيروه حقاً في عيون الأكثرين، وخَفَتَ الحق حين قل أعوانه وولى زمانه ويبست أشجار معالمه وبرهانه، وعلى هذه الطريقة ولى الحق والخير هارباً، ومضى أصحاب الأهواء المختلفة والآراء المتفاوتة في جانب والصواب والخير تحولا جانباً، وكلما ولى الخير حل محله الشر، كالنور إذا خفت حل