دليل آخر
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون قد ورد في اللغة على أن وصف ابن ابنة الرجل ابنه مجازاً، وهو قول الشاعر:
  بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
  قيل له: أول ما يسقط التعلق بهذا البيت أنه مجهول لا يعرف قائله، وهل هو ممن يحتج بقوله في اللغة أو لا يحتج؟. وهل هو من أرباب المذاهب الذين يعتد بقولهم فيما يقع من الخلاف أو ليس منهم؟. وأيضاً فإنه لا يمتنع أن يكون قائل هذا البيت لما استوحش من بني بناته قال هذا القول كما يقول الرجل في ابنه إذا استوحش منه هذا ابن فلانة ينسبه إلى أمه.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون عيسى # ينسب إلى إبراهيم # لأنه لا أب له؟.
  قيل له: هذا الحكم من غير دليل، بل قد دل ما بيناه على أنه ينسب إليه من حيث كانت أمه من أولاده.
  ومما يبين سقوط هذا الكلام: أنه لو كان الوجه الذي يسوغ نسبة الرجل إلى أمه هو أنه لا أب له معروف لا يجوز نسبته إلى أمه، وقد نسب رسول الله صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم إلى أمه، وابن أم عبد إلى أمه، فبان سقوط ما اعتبره السائل في هذا الباب.
  فإن قال: فلو كان ابن ابنة الرجل في حكم ابن ابنه لورثه مع ابن الابن؟.
  قيل له: هذا الإعتبار فاسد، لأنه ثبوت الأنساب لا ثبوت المواريث، ولا يعتبر أحد الأمرين بالآخر، ألا ترى أن الابن قد لا يرث أباه في كثير من الأحوال ولا يقدح ذلك في الثبوت.