الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[سبب ترك أمير المؤمنين لمحاربة منازعيه]

صفحة 53 - الجزء 1

[سبب ترك أمير المؤمنين لمحاربة منازعيه]

  سؤال: قالوا لِم لَم يطلب # حق نفسه والإنتصار عليهم كما فعل مع أصحاب الجمل ومع أصحاب معاوية والخوارج، ولو أنه # فعل ذلك لنصره بنو هاشم وكثير من قريش وليس هو # ممن يتهم بالعجز والتواني؟.

  الجواب: يقال إنما لم يفعل ذلك لوجهين لو انفرد كل واحد منهما لكان عذراً في هذا الباب:

  أحدهما: قلة الأنصار والأعوان.

  والثاني: خشية فتنة عظيمة مؤدية إلى الإضرار بالإسلام، وقد علمنا أن القيام بما يقوم به الأئمة هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الباب إنما يجب بهذين الشرطين الذين قد بينا فقده إياهما #، أحدهما التمكين، والثاني ألا يغلب على الظن أنه يؤدي إلى فساد أعظم من المنكر الواقع، وقد كان # على هذين الوجهين على ما ورد من الأخبار.

  وذلك أن العباس لما جاءه حاثاً له على القيام بالأمر، فقال له: (أمدد يدك أبايعك، فإذا قيل للناس بايع عم رسول الله صلى الله عليه واله ابن أخيه لم يختلف عليك اثنان)، رَدَّهُ عن ذلك، ثم قال: (لو كان عمي حمزة ¦ حياً أو أخي جعفر باقياً) فَنَبَّهَ بهما على حاجته # إلى معونة أمثالهما، وأنه غير واثق بقوة العباس وكفايته إذا نهض بالأمر، ولما جاء أبو سفيان مبايعاً ويحثه على انتهاز مخالفة القوم في النهوض بالأمر، قال له: (يا أبا سفيان طالما طلبت في الإسلام الغوائل) مُنَبِّهَاً على أن غرضه بما يظهر الفتنة دون النصح له، ومعاونته على أمره.

  فأما من خالف أبا بكر كمثل سعد وغيره من الأنصار فإنما كانوا يطلبون الأمر لأنفسهم، فكيف سينتصر # بهم؟. وإذا ثبت أن هذا هكذا ثبت أنه # لم يفعل إلا ما ساغ له فعله، وأنه # إنما كان يراعي في هذه الأمور ما يوجبه الدين غير مكترث بشهوات النفوس ونوازعها، فسقط ما سألوا عنه.

  سؤال: قالوا لما لم يتمكن # من مقاتلتهم فلم لم يظهر مباينتهم ومخالفتهم؟. ولِمَ أظهر الدخول في جملتهم، والتولي من جهتهم، وصلى خلفهم؟.