الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

دليل آخر

صفحة 107 - الجزء 1

  ويدل على ما ذكرناه أيضاً: قوله تعالى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}⁣[الشورى: ٢ ٣]، وظاهر الآية يوجب أن رسول الله صلى الله عليه وآله استحق عليهم مودة أقربائه ومواليهم $، فهذا دليل سمعي موافق لما بيناه من دليل العقل.

  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون المراد بها أمر أقرباء رسول الله ÷ بمودته وموالاته ورعاية حق قرابته ويكون الخطاب متوجهاً إليهم؟.

  قيل له: هذا صرف للآية عن ظاهرها، لأنه يقتضي كون الخطاب متوجهاً إلى الجماعة وهذا التأويل يقتضي صرفها إلى قوم مخصوصين، والعدول عن الظاهر من دون دلالة تقتضي ذلك لا يجوز، وأيضاً فإنا قد علمنا بأفعال الصحابة والتابعين وتابعي التابعين المروية والمأثورة إطباقهم على إعظام الحسن والحسين @ وأولادهما وإجلالهم وتمييزهم عن غيرهم على طريق الوجوب على ما ذهبنا إليه.

  فإن قال قائل: ولم قلتم إن الحسن والحسين @ ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد خالف في ذلك بعض النواصب؟.

  قيل له: الدليل على ذلك أن وصف ابن ابنة الرجل بأنه ابنه حقيقة لغة وشرعاً وعرفاً، كما أن وصف ابن ابنه بأنه ابنه حقيقة، ألا ترى لو أن قائلاً أشار إلى اثنين فقال: هذان ابناي أحدهما من ابني والآخر من ابنتي، لم يكن هذا الكلام مجازاً، ولا فصل بين من يدعي أن ذلك مجازاً في ابن الابنه، وبين ما يدعي في أنه مجاز في الابن، لأن استعمال اللفظ فيهما يجرى مجرى ذلك في الإستمرار والإطراد على طريقة واحدة، ولذلك وصف الله تعالى عيسى # بأنه من ذرية إبراهيم لما كانت أمه من أولاده، فقال تعالى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}⁣[الأنعام: ٨ ٤]، ولا تختلف الناس في وصف عيسى # بأنه من بني آدم، وإن كان منسوباً إليه من جهة أمه، ووصف رسول الله ÷ الحسن # بأنه ابنه فقال: «هذا ابني سيد» ولذلك لم يزل الصحابة والتابعون يصفون الحسن والحسن وأولادهما # بأنهم أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله.