الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[وجه استحقاق أمير المؤمنين # للولاية]

صفحة 39 - الجزء 1

  فإن قال: لو كانت هذه اللفظة معناها الأولى، وجب أن يكون استعمالها و استعمال اللفظة الأخرى يجريان مجرى واحد على طريقة واحدة، فلا يفيد أحدهما إلا ما يفيده الآخر، لأن هذا هو حكم كل لفظتين متفقتين.

  قيل له: إنما هذا يجب في اللفظتين إذا كانت كل واحدة خاصة، فأما إذا كانت إحداهما خاصة والأخرى مشتركة لم يجب ذلك، فأما كونها حقيقة في هذا المعنى فإنما حكمنا به لأن من حق اللفظ إذا ثبت استعماله في معنى من المعاني أن يحكم بأنه حقيقة فيه متى لم يكن هناك ما يجب حمله على المجاز، وهذا هو الفصل بين الحقائق والمجازات.

[وجه استحقاق أمير المؤمنين # للولاية]

  فإن قال: إذا ثبت أن رسول الله ÷ إنما كان أولى بالأمة من حيث كان نبياً، وخصه بالنبوة ووصفه بذلك على وجه التمييز له من غيره، فقال {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}⁣[الأحزاب/٦]، وأمير المؤمنين # لم يشاركه في النبوة فيجب أن يكون غير مشارك له في هذه الرتبة، كما لم يجب أن يكون مشاركاً له في أن أزواجه أمهاتهم.

  قيل له: استحقاق النبي ÷ هذه الرتبة من حيث كان نبياً لا يمنع مشاركة غيره إياه فيها من حيث كان خليفة، له أو قد يثبت كونها منفصلة عن النبوة، فلا يمنع مشاركة غير النبي ÷، وإن كان هو استحقها بالنبوة وغيره استحقها باستخلافه ÷ إياه، لأن اشتراك الموصوفين في حكم من الأحكام لا يوجب أن يكون أحدهما استحقه على الوجه الذي استحقه الآخر.

  ألا ترى أن طاعة رسول الله ÷ واجبة علينا كطاعة الله تعالى، وإن كان هو ÷ استحق ذلك من غير الوجه الذي استحقه الله، وإنما لم يحكم بأن أزواج أمير المؤمنين # أمهات المؤمنين، كما حكمنا بأنه أولى بالمؤمنين لقيام الدلالة على أحد الأمرين دون الآخر.

  ألا ترى أنه ÷ لما قال فيه «من كنت مولاه فعلي مولاه» ولم يقل من كن أزواجي أمهات لهم فأزواجه أمهات له، فحمل أحد الأمرين على الآخر في نهاية البعد.