الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: الدلالة على حاجة الناس إلى الإمام

صفحة 113 - الجزء 1

فصل: الدلالة على حاجة الناس إلى الإمام

  الذي يدل على ذلك: ما قد علمنا من إطباق الصحابة على أنه لا بد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في كل وقت من إمام، يقيم الحدود، ويسد الثغور، ويحفظ البيضة، ويقسم الغنيمة، ويمنع الظالم من الظلم، ويولي الأمراء والحكام.

  ألا ترى أنهم مع اختلافهم في أعيان الأئمة لم يختلفوا في الحاجة إلى الإمام، ولذلك فزع أصحاب الإختيار حين وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اختيار من اختاروه والعقد له، وأظهروا أن ذلك مما لا يسوغ تأخيره، وفزع أصحاب النص إلى أمير المؤمنين # والتمسوا منه المبادرة إلى القيام بالأمر حتى أظهر # من المعاذير التي اقتضت قعوده عن ذلك فيما تقدم، والأنصار لما نازعوا المهاجرين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير) ولم يقل أحد منهم مع اختلافهم واختلاف دواعيهم لسنا نحتاج إلى الإمام والإنقياد لأحد، ولذلك نص أبو بكر عند وفاته على عمر، وجعلها عمر شورى بين النفر الذين اختارهم، ولهذا بادر الناس بعد قتل عثمان إلى مبايعة أمير المؤمنين صلى الله عليه ولم يظهر - منهم مع علمنا بكراهة كل فريق منهم - واحد من هؤلاء الولاة إنكار نفس الإمامة والحاجة إليها ككراهة طلحة وغيره إمامة عمر، ومخالفة أكثر الصحابة عثمان وتشديدهم في النكير عليه، وكذلك من نكث بيعة أمير المؤمنين # إنما نكثها طمعاً في الأمر لظهور الحال في الحاجة إلى الأئمة في كل زمان، وإذا ثبتت هذه الجملة صح ما ذكرناه من إطباق الصحابة على حاجة الناس كافة إلى الإمام، وإنه لا يستغني عنه على وجه من الوجوه.

  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون فزعهم إلى الأئمة على ما ذكرتموه إنما يدل على جواز الإمامة، ولا يدل على وجوب الحاجة إليها؟.

  قيل له: هذا غلط، إنما فزعوا إلى هذا الأمر وتشددوا في أحكامه من حيث أظهروا أنه من الفروض التي لا يسوغ إهمالها والإخلال بها، ومن عرف السير وأحوال الصحابة في هذا الباب لم يشك فيما ذكرناه.