فصل: في أن الإمام إنما يحتاج إليه في الشرعيات دون العقليات
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون ما اعتمدوه إنما يدل على الحاجة إلى إمام في تلك الحال، فمن أين وجوب الحاجة إليه في سائر الأحوال؟.
  قيل له: الدلالة التي ذكرناها تعم جميع الأوقات، لأن الذي ظهر من الصحابة من الإطباق على الحاجة إلى الإمام في كل زمان قد علم أنه يتعلق بأحوال المأمومين لا لأمر يختص الأوقات، وهو ما بيناه من تنفيذ الأحكام وحفظ البيضة وما يجري مجراه في ذلك، وهذه العلة مستمرة في سائر الأزمان، فيجب أن يكون مقتضاها مستمراً أيضاً غير مخصوص بوقت دون وقت.
فصل: في أن الإمام إنما يحتاج إليه في الشرعيات دون العقليات
  الذي يدل على ذلك: أن التكاليف العقلية إنما يجب على القديم تعالى إزاحة علة المكلف فيها بالتمكين وما يجري مجراه كالإقدار، وإعطاء الآلات، ونصب الدلالات، والألطاف التي يختار المكلف معها إمتثال ما كلف أو يكون أقرب إلى اختيار ذلك، وقد علمنا أن وجود الإمام لا تأثير له في شيء من هذه الأمور، فوجب القطع على الإستغناء عنه في التكاليف العقلية.
  فإن قال قائل: ولم قلتم إنه لا تأثير له في شيء من هذه الأمور؟.
  قيل له: لأنا قد علمنا أن وجود الإمام لا تأثير له في قدرة المكلف ولا في شيء من آلاته، ولا يجوز أن يكون وجوده جارياً مجرى المصالح، إذ لا فرق في هذا الباب بين وجوده ووجود غيره.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون لوجوده تأثير في ذلك، وهو أن دلالة العقل لا يصح النظر فيها إلا بمنبه ينبه على ذلك من جهة السمع؟.
  قيل له: هذا فاسد، لأنه يؤدي إلى أن لا يحصل العلم بهذا المنبه الذي هو الرسول أو الإمام $ ويوجب طاعته والحاجة إليه إلا بمنبه، فكذلك القول في المنبه، فيؤدي ذلك إلى وجود المنبهين إلى ما لا نهاية لهم، أو إلى أن لا يكون للتكليف أول، وهذا ظاهر السقوط، وإذا جاز عند مخالفينا أن نعلم وجود طاعة أول المنبهين من الرسل والأئمة $ عقلاً دون منبه آخر جاز مثله في سائر العقليات.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يحتاج إليه لينبه على الأدلة التي تلزم المكلف النظر فيها؟.