فصل: في أن الإمام إنما يحتاج إليه في الشرعيات دون العقليات
  قيل له: الخاطر يقوم مقامه في هذا الباب فتستغني به عن غيره.
  ويبين سقوط هذا الكلام: أنه لا إمام فيما بينا الآن على الصفة التي تذهبون إليها ينبه على الأدلة وقد صح التكليف، والمكلف متمكن من النظر في الأدلة، وهذا يحسم أشاغيبهم في هذا الباب.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يحتاج إليه للوجه الذي قلتم أن يحتاج فيه إلى الخاطر، والخاطر لا يجوز أن يقوم مقامه لما يحصل فيه من الإلتباس؟.
  قيل له: أول ما سقط من هذا السؤال أن الخاطر لا يحتاج إليه في معرفة العقليات ولا تأثير له في تمكين المكلف من النظر في الأدلة والعلم بمدلولها، وإنما يحتاج إليه لبينبه على جهة الخوف من ترك النظر فيستغني عن الخاطر، وهذا يوجب الإستغناء عن الإمام.
  وأيضاً: فإن دعاء الداعي يقوم مقام الخاطر في هذا الباب فيجب أن يقوم مقام الإمام أولى من الخاطر، لما في الخاطر من اللبس، فإنه كلام يوهم فإن أراد أن جنسه يلتبس على المكلف فهذا لا تأثير له فيما يحتاج إليه لأجله، وإن أراد أنه ليس يمنع في التنبيه على جهة الخوف فهو فاسد، ولولا أن بيان ذلك يخرجنا عن الغرض المقصود بهذا الكتاب لكشفنا الكلام فيه.
  فإن قال: لم قلتم إن وجوده لا يجري مجرى الألطاف؟.
  قيل له: لأن إثبات الشيء لطفاً من غير أن يعلم وجه تعلق المصلحة به على جملة أو تفصيل لا يصح، لأنه يؤدي إلى الجهالات، فإذا كان هذا هكذا وقد علمنا أن الشخص إنما يجري وجوده مجرى الألطاف على أحد وجهين:
  إما أن يؤدي إلى المكلفين عن الله تعالى ما يكون لطفاً لهم.
  أو يقوم بأمور تتعلق بها مصالحهم في باب الدين، ومتى خلا من هذين الوجهين فحكمه وحكم سائر الأشخاص سواء، فلا فصل بين من يدعي ذلك فيه وبين من يدعيه في سائر الأشخاص، وهذا يؤكد ما بيناه من الاستغناء عن الإمام في العقليات.
  فإن قال قائل: إن وجوده لطف من وجه آخر وهو أن يكون المكلفون أسرع إلى الطاعات وفعل الواجبات عند وجوده طاعة له وانقياد لأمره؟.