فصل في بيان المنصب المعتبر في باب الإمامة
  شاركهم في بعض الأحكام فإنما نقوله لقيام الدلالة عليه، لا لأن التسمية تلحقهم على الحقيقة، وهذا القول كاف في إسقاط هذا السؤال.
  فإن قال: فإنكم بينتم الدلالة على ثبوت اعتبار منصب مخصوص في الإمامة، وأنها لا تصلح في أفناء الناس فما الذي يدل على ذلك؟.
  قيل له: وجهان:
  أحدهما: أن الإمامة أمر شرعي فيجب أن يكون جميع شروطها وأوصافها مأخوذة عن الشرع، وتجويزها في أفناء الناس يقتضي نقض أحكامها لا من جهة الشرع، وهذا قد عرفنا فساده، لأن العقل لا مدخل في إثباتها وإثبات أحكامها.
  والوجه الثاني: هو إخبار النبي صلى الله عليه وآله بأن الأئمة يكونون من قريش، وهذا يدلنا على بطلان إمامة من ليس بقرشي.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون في الشرع ما يدل على جوازها في أفناء الناس، وهو قوله # «أطيعوا السلطان ولو كان عبداً حبشياً»؟.
  قيل له: هذا من أخبار الآحاد فلا يصح الإستدلال به، ولو صح أيضاً لم يدل على ما ذهب إليه السائل، لأن لفظ السلطان لا ينبي عن الإمامة، وإذا كان كذلك بطل التعلق به.
  على أنا نقول: إن الخبر إن صح فمعناه أن أمير الجيش الذي يختاره الإمام وينصبه يجب أن يطاع ولو كان عبداً حبشياً، لأن الإمام لا يمتنع أن يؤدي اجتهاده إلى أن ينصب للإمارة من هذا صفته.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون قول عمر (لو كان سالم حياً لما خالجتني فيه الشكوك) يدل على ما قلناه؟.
  قيل له: لو كان ظاهر هذا الخبر يفيد ما تذهب إليه لم يكن فيه دلالة، لأن قول عمر لا يحتج به إذا كان مفرداً عن سائر الصحابة، فكيف وظاهره لا يفيد ذلك، لأنه لم يبين أن سالماً لو كان حياً لما خالجته الشكوك في الرجوع إليه في الشورى أو في الإمامة.