الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: في الدلالة على فساد قول من يذهب إلى أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص الجلي أو ما يقوم مقامه

صفحة 134 - الجزء 1

  ومما يعتمد في الجواب عن هذه الأسئلة التي يوردونها: أن ما يدعونه من النص لا يخلو: من أن يكون قد نقل على وجه يوجب العلم لجماعة المكلفين، أو لم ينقل على هذا الوجه.

  فإن كان نقل على هذا الوجه الذي وجب العلم بجماعتهم: وجب أن يشتركوا فيه، ولم يصح أن يختص به قوم.

  وإن كان لم ينقل على هذا الوجه وإنما نقل على وجه يوجب العلم لهم دون غيرهم وجب أن يكون تكليفه ساقط على جميع مخالفيهم، لأنه لا يجوز تكليف العلم بما لا سبيل للمكلف إلى علمه، وليس لهم أن يقولوا إن لمخالفينا سبيل إلى ذلك، لما بيناه من أنا قد سمعنا ذلك منهم على الحد الذي سمعه بعضهم من بعض ولم يقع لنا العلم به.

  فإن قال قائل: إذا كان الإمام من حقه أن يكون مختصاً بأوصاف لا يصح أن يعلم كونه عليها إلا بنص أو معجز فلا بد من أحدهما؟.

  قيل له: صفات الإمام التي يجب أن يعلم كونه عليها لا تفتقر في معرفتها إلى نص وإلى معجز، وهي الصفات التي بيناها فيما تقدم.

  ألا ترى أنا قد بينا أن حكمه فيها يجب أن يكون حكم الأمراء أو القضاة ومن يجري مجراهم.

  فأما الصفات التي يشير إليها القوم من العصمة والإختصاص لحفظ الشريعة وتعليم الدين على الحد الذي يعلمه الرسول صلى الله عليه وعلى آله فقد بينا أنه لا يجب كونه عليها، فلا يحتاج إلى إعادة ذلك.

  فإن قال قائل: إذا كان الإمام خليفة الله تعالى في أرضه لم يجز أن تثبت هذه الرتبة إلا لمن ينص عليه تعالى أو يظهر عليه ما يجري مجرى النص؟.

  قيل له: إطلاق هذه العبارة في الإمام مما يحتاج إلى النظر فيه، ولو ثبت إطلاقها وجب أن يكون المراد بها وجهاً صحيحاً، ومتى أريد بها ذلك الوجه لم يلزم ما ظنه السائل.

  وذلك أن السائل إن قال ذلك وأراد به أنه يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله في تبليغ الشرائع وتأدية الدين حتى يعلم من قبله ما لا سبيل إلى معرفته إلا من جهته، فهذا قد بينا فساده فيما تقدم.