الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: في الدلالة على فساد قول من يذهب إلى أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص الجلي أو ما يقوم مقامه

صفحة 133 - الجزء 1

  فأما ما أورده السائل فالجواب عنه من وجهين:

  أحدهما: أن أصول الحوادث العظيمة هي التي يجب نقلها على وجه يوجب العلم العادة، فأما تفاصيل صفاتها فلا يجب أن ينقل على الحد الذي ينقل أصولها، وإذا كان هذا هكذا فالذي يشبه النص من الحوادث هو أصل الأذان والصلاة والحج، ألا ترى أن هذه الأركان أوجبت على وجه أوجب العلم الضروري فلو كان ما ادعوه من وقوع النص صحيحاً، لكان نقله كنقل هذه الأركان.

  والثاني: أن صفات هذه الأركان إنما يقع الخلاف في نقلها لأنها لم تتقرر في الأصل على حد واحد، بل كانت تقع على وجوه مختلفة: إما لورود التعبد فيها في المستقبل على وجه واحد بل كانت معرضة لاجتهادات المجتهدين على حسب ظنونهم، وإذا كان هذا هكذا فالحال ظاهرة في مفارقة هذه الأمور للنص الذي يدعونه.

  فإن قال قائل: قد علمنا أن كثيراً من مخبري الأخبار يختص به قوم دون قوم، وإن كان ضرورياً فلم لا يجوز أن يكون النص جارياً هذا المجرى؟.

  قيل له: إنما يصح وقوع الإختصاص في هذا العلم إذا وقع الإختصاص لشبه، بأن يكون قد عنى لطلب نقله وسماع أخباره قوم دون قوم كعلم أهل كل صنعة بما يتصل بصنعتهم وما يجري مجرى ذلك.

  فأما مع الإشتراك في سماع الأخبار: فلا يجوز أن يقع الإختصاص في العلم بمخبرها لما يؤدي تجويز ذلك إليه من الفساد الذي بيناه.

  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون العلم بالنص إنما خفي عليكم لقلة عنايتكم بطلب نقله؟.

  قيل له: قد بينا أنا قد سمعنا هذا النقل على الحد الذي سمعه بعضكم من بعض، وبحثنا عن أخباره كما بحثتموه، ولو لم يسمع من هذا النقل إلا ما يوردونه علينا في المجالس، والمخالفة عند المناظرة، لكفى، فإذا لم نعلم من أنفسنا عرفنا أنكم أيضاً لا تعلمون ذلك كما أنا لم نعرف من أنفسنا ما يدعيه اليهود من العلم الضروري بأن موسى صلى الله عليه قد نص على أن شريعته لا تنسخ، قطعنا على بطلان دعواهم أنهم لا يعرفون ذلك.