فصل: في الدلالة على فساد القول بجواز ظهور المعجز على غير الأنبياء À من الأئمة وغيرهم
  قيل له: لأنا قد علمنا بالعادة أن ما يجري هذا المجرى هو موضوع لتنفير كثير من الناس، ألا ترى أن الأمارات التي تقارن أحوال الأمن كما يقارن أحوال الخوف التي يفزع العقلاء إلى النظر فيها والبحث عنها توقياً من الضرر كما تدعو إلى ذلك الإمارات التي يختص بأحوال الخوف، بل فزع كثير من العقلاء إلى ترك النظر فيها، والعدول عن تأملها، وإقلال الإكتراث بها، والأمر في هذا الباب أظهر من أن يحتاج إلى نقضه وإيراد الأمثلة فيه.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون هذا التجويز لا ينفر العاقل عن النظر، لأنه كما لا يجوز أن يكون مما لا يلزمه النظر فيه، يجوز أيضاً أن يكون النظر فيه واجباً عليه وأن يلحقه الضرر بتركه؟.
  قيل له: هو وجه لوجوب النظر عليه لا لزوال التنفير عنه، ونحن لم نقل إن هذا التجويز يؤدي إلى سقوط وجوب النظر عنه، وإنما قلنا إنه يؤدي إلى النفور، وليس كلما يقدح في دليل النبوة - يسقط وجوب النظر في الإعلام - يجوز أن يجيبه الله تعالى أولياءه $، لأن الكتابة والقصاصة وقول الشعر وارتكاب الكذب لا فيما يؤديه عن الله تعالى لا يقدح في العلم، ولكن وجب تنزيه النبي صلى الله عليه وآله عن هذه الأحوال لما يتعلق بها من النفور.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يلزمكم على هذه الطريقة أن لا يجوز وقوع الصغائر من الأنبياء À لئلا يؤدي تجويزها عليهم إلى النفور؟.
  قيل له: وقوع الصغائر لم يثبت أنه موضع للتنفير، كما ثبت ذلك فيما قلناه، بل قد ثبت من حاله بخلاف ذلك، ألا ترى أنا نعلم من أحوالنا وأحوال غيرنا أنهم يعلمون وقوع الصغائر من الأنبياء $ ولم ينفرنا ذلك عنهم.
  فإن قال: ونحن أيضاً نجوز ظهور المعجزات على غير الأنبياء $ ولم ينفرنا ذلك عن النظر في إعلامهم؟.
  قيل له: إذا ثبت كون الشيء موضوعاً للتنفير وصح أن كثيراً من المكلفين قد نفروا عنه لم يجز أن يفعله الله تعالى، بل لا بد من أن يزيح علل جميع المكلفين، بأن لا يفعل ذلك ولا يقدح في هذا الباب ادعاء بعض الناس أنهم لا ينفرون عنه، ألا ترى أن كثيراً من اليهود ذهبوا إلى أن الأنبياء $ يجوز أن