الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: في الدلالة على فساد القول بجواز ظهور المعجز على غير الأنبياء À من الأئمة وغيرهم

صفحة 137 - الجزء 1

  تقع منهم الكبائر والكذب في غير ما يؤدونه عن أمر الله تعالى في حال النبوة، وأن ذلك ينفرهم عنهم، فلم يؤثر هذا القول في كون هذه الأفعال منفرة في وجوب تنزيه الله تعالى أنبياءه $.

  فأما العلة في كون الصغائر غير منفرة إذا لم يقترن بها وجه يقتضي النفور ككونها كذباً أو مستقبحة: لأنها لا تقتضي أكثر من نقصان الثواب وقد علمنا أن كون الإنسان منتقص الثواب عما كان من قبل لا ينفر عنه.

  ألا ترى أنا نجوز في كل واحد من الأنبياء $ أن لا يفعل في يومه من النوافل ما فعل بالأمس، وإن كان ذلك يقتضي انتقاص ثوابه ثم لم ينفر ذلك عنهم، والصغائر تجري هذا المجرى فثبت أنها غير منفرة على ما ظنه السائل.

  ويدل على ذلك أيضاً: أن المعجز لو جاز ظهوره على غير الأنبياء $ لخرج من أن يكون دلالة على نبوتهم، لأن ذلك متى جاز أن يفعله الله تعالى من دون أن يقصد تصديق الأنبياء $ لكان سبيله سبيل سائر الأفعال التي يحدثها الله تعالى بحسب المصالح، ولو كان هذا سبيله لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على كثير من الناس في خلواتهم لتعلق المصالح بذلك من دون أن يقف عليها غيرهم، إذ لا تعلق لغيرهم بمعرفتها.

  وهذا التجويز يخرج المعجز من أن يكون دلالة لنبوة الأنبياء $ من وجهين:

  أحدهما: أنا متى جوزنا ذلك لم يكن الطريق إلى العلم بتعلق المعجز يدعوا النبي صلى الله عليه على وجه يقتضي تصديقه، لأنا نعلم تعلقه بدعواه متى علمنا أن لا وجه يحسن لأجله أن يفعله تعالى إلا تصديقه، ومتى جوزنا أن نفعله لغير هذا الوجه لم يعلم أنه تعالى قصد به تصديقه.

  والوجه الثاني: أنا متى جوزنا ظهوره لكثير من الناس على ما قلناه، لم يعلم ناقضاً للعادة، وإذا لم يعلم ناقضاً للعادة لم يدل على النبوة، وإذا كان هذا هكذا ثبت بهذه الجملة أن المعجز: ما يختص به الأنبياء $ فلا يجوز ظهوره على غيرهم.

  فإن قال قائل: من الإمامية لا يلزمنا هذا الذي ذكرتم، لأنا لا نجوز أن يظهر الله تعالى المعجز من دون أن يقصد به تصديق واحد من الناس سواء كان نبياً أو إماماً؟.