[تخلف الإمامية عن الإمام زيد والرد عليهم]
  والثاني: قولهم إن الأخبار أتت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين #، كخبر اللوح وخبر الخضر.
  وهذه الأخبار - مع كونها من أخبار الآحاد، ومع كونها ضعيفة مجهولة الإسناد لا يعرف رجالها، ولا يغتر بمثلها - فلم تَدَّعِها هذه الطائفة وتسلم المناقضة، حتى أوردت بإزائها ما يعارضها ويدافعها، وهكذا الباطل يتدافع ويتعارض، فروت رواية مشهورة عندهم أن جعفراً # نص على ابنه إسماعيل قبل موسى، فلما مات قال (ما بدا لله في شيء مثل ما بدا له على إسماعيل) فلم تقتصر على إضافة القبيح إلى المخلوقين، حتى تنسبه إلى رب العالمين، فليت شعري إن كان صلى الله عليه وآله قد قدم النص على اثني عشر بأعيانهم فلم استجاز جعفر # أن ينص على إسماعيل، وإن كان الله - تعالى عن قول أهل المحال - جعل الإمام في إسماعيل على أن بدا له فأماته فلم استجاز رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينص على موسى قبل إسماعيل، وهذه فضيحة لا يقع فيها إلا كل من وكله الله إلى نفسه لسوء اختياره وعدوله إلى التقليد.
  ثم خبر النص على اثني عشر إن كان متظاهراً على ما يدعون فلم كانوا يختلفون عند موت كثير من هؤلاء المنصوص عليهم بزعمهم ضروباً من الإختلاف، كاختلافهم عند موت جعفر # في أولاده، وقد ذهب إلى القول بإمامة أكثر أولاده من موسى ومحمد وعبدالله وإسحق فرق من أصحابه، وكاختلافهم عند موت موسى حتى ذهب أكثرهم إلى أنه لم يمت وهم الواقفة، وقطع بعضهم على موته وقالوا بإمامة على بن موسى فسموا قطعية، ثم اختلفوا عند موت الحسن بن علي العسكري فذهب قوم منهم كثير إلى القول بإمامة أخيه جعفر، ورجع كثير منهم عن القول بالنص، وقال بعضهم بالغيبة، وسموا جعفراً أخاه جعفر الكذاب، وهذه التخاليط تبين كل من حال القوم أنهم يقولون بما لا يعلمون، ويعولون على تقليد الرجال فيَهلَكُون ويُهلِكُون، وكانوا قبل زمان الغيبة ينحرفون بالإشارة إلى واحد من أهل البيت $، والآن فإنهم يحيلون على سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، بل أبعد من السراب وأخفى، وأضعف منه وأوهى، وزعموا أن الله تعالى أوجب على الخلق أجمعين اعتقاد إمامة من لم ينصب عليه دليلاً، ولم يجعل لهم إلى معرفته سبيلاً.