[دلالة خبر المنزلة على المنازل التي يستحقها أمير المؤمنين]
  وإن أردت به أن كل نبي يجب أن يكون مستحقاً لها وإن جاز أن يستحقها من ليس بنبي لا يضر، قلتم لأن ذلك وإن كان يقتضى كونها تابعة للنبوة [فهي] منفصلة منها، كما أن الإيمان وإن كان تابعاً للنبوة من حيث لا يجوز كون نبي ليس بمؤمن، فهو منفصل عنها من حيث كون مؤمن ليس بنبي، فكما لا يقتضي استثناء الإيمان فكذلك استثناء هذه المنزلة.
  على أن القول أن كل نبي لا بد أن يكون مستحقاً لهذه المنزلة غير مسلم، وإن كنا قد علمنا من حال كثير من الأنبياء $ أنهم كانوا مستحقين لها، إذ ليس معنى النبوة هو استحقاق هذه المنزلة، ولا دلت دلالة العقل أن كل نبي يجب أن يكون مستحقاً لها، بل لا يمتنع عقلاً أن يبعث الله نبياً ولا يكلفه إلا التبليغ والتأدية وبيان الشرائع، ويكون التصرف في الأمور التي يتصرف فيها الأئمة من إقامة الحدود وتجييش الجيوش مما كلف غيره، ويُعْلَمُ هذا من قِبَلِهِ بأن يقول لهم: إني إنما كُلِّفْتُ التأدية والتبليغ بهذه الأمور، فأما القيام فإنما كُلِّفَ فلان دوني، وهذا مما لا يمنع أصحابنا المعتزلة من تجويزه، ألا ترى أن أقوى ما اعترضوا به استدلالنا بهذا الخبر هو أن قالوا: إنا لا نعلم أن هارون لو بقي بعد موسى @ لكان تولي هذا الأمر إليه، بل كان لا يمتنع أن يبعث الله تعالى نبياً آخر فيكون هو المتولي لهذه الأمور، فجوزوا كونه نبياً، وإن لم يتول هذه الأمور، إذ لم يعنوا بهذا القول أنه كان يجوز خروجه عن كونه نبياً، وإذا كان هذا هكذا سقط قول من يقول إن استثناء النبوة يوجب استثناء هذه المنزلة على كل وجه.
  فإن قال: إنا لا ننكر أن هذه المنزلة منفصلة عن النبوة، وأنه يجوز حصولها لمن ليس بنبي، ولكنا نقول إذا كنا إنما نعلم أن هارون مستحق لهذه المنزلة من حيث كان نبياً، ثم علمنا بالإستثناء للنبوة انتفاء النبوة عن المشبه به، وجب أن ينتفي العلم بمشاركته إياه في المنزلة التي طريق العلم في ثبوتها هي المنزلة المستثناة، وإنما نجوز ثبوتها لمن ليس بنبي؟.
  قيل له: من سلم لك أن استحقاق هارون # هذه المنزلة إنما علمناه من حيث علمنا كونه نبياً، بل لم نعلم استحقاقه # إياها إلا باستخلاف موسى # إياه وتفويضه هذه الأمور إليه، وإن كان يخلفه خلافة من هو أولى الناس بمقامه إن غاب غيبة بسفر أو موت، ولو لم يعلم ذلك لجوزنا أن يكون إليه التبليغ فقط دون التصرف في هذه الأمور.