الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[الدليل الثاني: خبر الغدير]

صفحة 37 - الجزء 1

  فمنها: معنى الأولى، ومنها: النصرة، ومنها: ولاء العتق، وغير ذلك، ومن حكم اللفظ أن يكون محمولاً على جميع ما يفيده من المعاني إلا ما خص الدليل، فصار الخبر كأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من كنت أولى به فعلي أولى به، وقد علمنا أنه كان صلى الله عليه وآله أولى بأمته، والقيم عليهم، والمطاع فيهم، والمتصرف على أمره ونهيه كتصرف الرعاة للرعية، فيجب أن يكون أمير المؤمنين # أولى الأمة بهذه الرتبة على وجه الخلافة له صلى الله عليه وآله، وهي الإمامة.

  فإن قال: وما الذي يدل على صحة هذا الخبر؟.

  قيل له: الوجوه التي قدمناها في الدلالة على صحة الخبر الأول.

  فإن قال: أحدُ ما اعتمدتموه على صحة الخبر الأول هو إجماع أهل العلم على قبوله، وهذا لا يسلم لكم في هذا الخبر، لما حكي عن بعض الناس من المخالفة في صحته، ولما حكي عن بعضهم من الطعن في طرقه، حتى أنه قال بعض أصحاب الحديث: أنه لا يعرف بين مكة والمدينة موضع يعرف بخم؟.

  قيل له: قد تقدم البيان أن الخبر إذا اشتهر وظهرَ نقلُه بين أهل العلم، واحتج به بعضهم على أمر من الأمور، ولم يدفع الباقون احتجاجهم - من حيث ادعوا أنه لا أصل له، أو لا تُعلم صحته، وإنما دفعوه لتأويل أو ما يجري مجرى الإعتراض على وجه الإستدلال - كان ذلك كالدلالة على إجماعهم على قبوله، ولم يقدح فيه حكاية من يحكي المخالفةَ من قوم مجهولين لا يعرف حالهم، وهل هم فيمن يعتبرون في الإجماع على هذا الباب أو لا يعتبرون؟ أو هم ممن سبقهم الإجماع أولم يسبقهم؟.

  لأن مثل هذا لو قدح في الإجماع لم تسلم أكثر الإجماعات لجواز مثل هذه الدعاوى فيها.

  فأما طعن من طعن في بعض طرقه: فإنه لا يؤثر في صحته، لأن الخبر المتواتر الذي يثبت كونه موجباً للعلم وقاطعاً للعذر لا تعتبر طرقه وأسانيده، لأن ذلك إنما يعتبر في أخبار الآحاد، ألا ترى أن التابعين لو اجتمعوا على أن رسول الله ÷ قال قولاً من الأقوال، لقطعنا على صحته، وإن لم ينقله إلينا متصلاً إلا نفر لا يقع العلم بخبرهم، أو كان فيهم مطعون.


= وعن أنس بن مالك: الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٧/ ٣٧٧) في ترجمة الحسن بن علي بن سهل برقم (٣٩٠٥)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٢/ ٨١) رقم (٥٨٣) في ترجمة أمير المؤمنين #، وغيرهم.