[الدليل الثاني: خبر الغدير]
  يبين صحة هذا: قوله صلى الله عليه وآله «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» لما علمنا صحته بالإجماع لم يعتبر حال طرقه وأسانيده، ولو كان في حملته قوم مطعونون، أو كان أكثرهم مطعونين، لم يؤثر ذلك في العلم بصحة الخبر.
  والإعتراض عليه بطعن أصحاب الحديث على طريقه: من فعل الجهال الذين لا معرفة لهم بما يوجب العلم من الأخبار وما لا يوجب، وليس هذا من صفة القوم الذين هم منتسبين إلى الحديث.
  وأما ما حكي من إنكار من أنكر أن يكون بين مكة والمدينة موضع يعرف بخم: فليس بطعن على الخبر، وإنما هو طعن على من أضاف إلى هذا الموضع، وقد بينا فيما تقدم أن الأحوال والأماكن التي ورد فيها وعليها هذه الأخبار طرقها الآحاد، وأنا لا نرجع إليها في الإستدلال، وإنما نرجع إلى لفظ الخبر الذي قد ثبت كونه متواتراً على وجه يوجب العلم ويقطع العذر، فالتعلق بهذا الجنس لا يعترض ما نستدل به.
  ومما يبين صحة ما قلنا: أن إنكار المواضع لا تقتضي إنكار صحة الخبر، لأن من الناس من أقر بالخبر وادعى أن تاريخه متقدم لهذا الوقت، وهو قول من يذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك في زيد بن حارثة.
  فإن قال: أليس قد حكي عن كثير من المتكلمين أنه قال: إن صح هذا الخبر فتأويله كيت وكيت، وهذا يقتضي كونه شاكاً فيه غير قاطع على صحته؟.
  قيل له: هذا القائل محجوج بالإجماع، فقوله شاذ متروك، لأن الإستدلال بهذا الخبر ظهر وانتشر قبل وقته، ولم يحك عن أحد من المخالفين رده، وإنما حكي ما يجري مجرى الإعتراض على الإستدلال به.
  فإن قال: لم قلتم إن هذا اللفظ يفيد معنى الأولى، وإن أفاده كان حقيقة في ذلك؟.
  قيل له: أما إفادته لهذا المعنى فظاهر في اللغة، لأن استعمال مولى في كل موضع يستعمل فيه، ولا يمنع منه أحد من أهل اللغة، لأنهم يقولون: أنا أولى بهذا الشيء فأنا مولاه.
  يبين هذا: قوله تعالى {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الحديد/١٥]، أي أولى بكم.