الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[وجه استحقاق أمير المؤمنين # للولاية]

صفحة 40 - الجزء 1

  فإن قال: ليس بالخبر (من كنت مولاه فعلي مولاه على الوجه الذي أنا مولاه) أو (في الوجه الذي أنا مولاه) فما أنكرتم أن يكون رسول الله ÷ مولى لهم بأن يكون أولى بهم في الأمر والنهي ووجوب الطاعة، ويكون أمير المؤمنين # مولى لهم من حيث استحق عليهم أن يوالي مولاه للدين والمحبة كما استحق ذلك بعض المؤمنين على بعض على ما بينه الله تعالى بقوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}⁣[التوبة/٩١]، فلا يكون في ذلك دلالة على الإمامة، لأن هذا مثل قوله ÷ «من أحبني فليحب الأنصار»، فإذا ادعيتم في الخبر ما يدل على أنه # أولى بهم، كما أن رسول الله ÷ أولى بهم في الأمور التي ذكرتموها فينوا ذلك.

  قيل له: أما القول بأنه # أولى بالأمة على الوجه الذي كان رسول الله ÷: فنحن نبرأ منه من قائله، لأنه ÷ استحق ذلك بالنبوة، وهو # استحقه باستخلافه له، فأحد الأمرين متميز عن الآخر.

  وإنما نقول إنه # استحق ذلك في الوجه الذي استحقه ÷: لأن كل واحد من الأمرين هو استحقاق التصرف في أمر الأمة على الوجه الذي يتصرف الراعي على الرعية، والذي يدل على ذلك أمران:

  أحدهما: ظاهر اللفظ، وذلك أن القائل إذا قال: فلان وفلان حتى يذكر جماعة من الناس شركائي في كيت وكيت، ثم قال: فمن كنت شريكه فزيد شريكه، اقتضى ظاهر اللفظ أن زيداً شريكه في الأمر الذي شارك الجماعة فيه دون آخر، وحمله على آخر حتى يخرج من أن يكون متعلقاً بالكلام الأول فإن علته تقتضي إخراج الكلام عن ظاهره، ولا يصح حمله على ما يجري هذا المجرى إلا بدلالة يرجع إليها، وإذا ثبت هذا وجدناه ÷ قرر عليهم كونه أولى بهم، «فقال ألست أولى بكم من أنفسكم»، فلما قالوا: بلى، قال عاطفاً على ذلك: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» فمتى حمل الكلام على ظاهره وحقيقته اقتضاء أن يكون # مولاهم في الوجه الذي كان فيه رسول الله ÷ مولاهم فيه على ما بينا في المثال الذي بينا.